الأنا والآخر: جدلية الوعي والوجود:

بقلم: عماد خالد رحمة – برلين.

منذ فجر الفكر الإنساني لم تهدأ المناظرات حول جدلية (الأنا) و(الآخر). فبينما اعتُبرت (الأنا) معياراً للكمال والجمال والصواب، وُضع (الآخر) في خانة النقص والتناقض. هذا التصوّر العدائي كرّس انفصالاً وهمياً بين الطرفين، رغم أن كليهما يشكّل شرط وجود الآخر.
رأى الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أنّ وجود الغير ضروري من أجل وعي (الأنا) بذاتها، بل ذهب إلى القول: “الآخر هو الجحيم”، في إشارة إلى صعوبة العلاقة التي تجمعهما. ومن هنا برز مفهوم الذات كأحد أعقد المفاهيم النفسية والفلسفية، إذ إنّ أي خلل في وعيها قد يقود الفرد إلى رفض ذاته، أو إلى عجز عن الفعل والحياة.
وقد أسهمت الفلسفة والدين وعلم النفس منذ القرون الوسطى في بلورة هذا المفهوم، بدءاً من أعمال ويليام جيمس في كتابه “مبادئ علم النفس” (1890)، مروراً بنظريات جورج هربرت ميد وتشارلز كولي، وصولاً إلى كارل روجرز وأبراهام ماسلو اللذين أسّسا التوجّه الإنساني في علم النفس. فأصبحت (الذات/الأنا) حجر الزاوية في دراسة الشخصية والوعي، ومركزاً لبحوث التربية والصحة النفسية.
فالذات ليست مجرّد صورة داخلية، بل هي إطار ناظم لتجربة الفرد، تؤثر في سلوكه، وتمنحه تماسكاً واتساقاً، وتحدد علاقته بالآخرين. وهي تنمو بالتفاعل الاجتماعي والدوافع الداخلية، وتغدو طاقة دافعة للنشاط الإنساني.

إنّ (الأنا) و(الآخر) ليسا نقيضين منفصلين، بل قطبان متلازمان يشدّ أحدهما الآخر، فلا وعي للأنا دون الآخر، ولا حضور للآخر دون الأنا. إنّهما جدلية الوعي والوجود الإنساني، حيث لا يتحقق أحدهما إلا بالآخر.