وكالة الغوث الدولية “الاونروا” لن تستطيع إنقاذ دورها ومكانتها وفعلها، فهى تفتقر للأدوات اللازمة، وهى مكبلة بسياسات الدول المتبرعة والمضيفة التي تهندس دورها لما فيه مصلحة كل دولة من هذه الدول، تحت بعبع”التوطين” الذي يخيف البعض ويشيطن اللاجىء الفلسطيني. وتحت شبح العودة وممارسة حق تقرير المصير على مساحة فلسطين التاريخية، وهو الشبح الأكبر الذي يطارد عديد الدول المتبرعة لـ”الاونروا” من غلاة الداعمين لدولة الاحتلال. أما الأمين العام للأمم المتحدة فلا حول له ولا قوة، وتركيبة المؤسسة الدولية لا تسمح له ولا لها بالخروج من دائرة “القلق” و “الفزع” تعبيرا عن محاولات إنهاء “الأونروا” المحمومة وإضعافها وتفكيكها وتجويعها ماليا، فلا أدوات فعالة بين يديه.
ولنتفق هنا أن لا حاجة لإضاعة الوقت بالحديث عن أي دور عملي بالدفاع عن “الأونروا”، من قبل مختلف الجهات.
إن هدف إضعاف “الأونروا” بغرض إلغاء وجودها كاملة، لم يكن يوما ما هدفاً إسرائيلياً مرحلياً لا بل إنه هدف إستراتيجي بامتياز، يمهد للاحتلال الاسرائيلي الطريق نحو توجهه الأساس بالقضاء على حق العودة مستقبلا وبدون رجعة. ولا ضير هنا – بل من الضروري – الإشارة إلى الخطوات والتصريحات المرحلية التي تمت، والهادفة لإنهاء حضور ودور الوكالة في القدس، ولجم دورها في غزة حاليا، وتهميشه لأبعد حدود ممكنة في ما يسمى خبثا “مرحلة ما بعد الحرب على غزة”، وتقليم أظافر المؤسسة، وتحويل بعض خدماتها للسلطة الفلسطينية ولمؤسسات أممية ومحلية بديلة عاملة في الضفة الغربية، وإعادة هندسة دورها في أقاليم عملياتها الثلاثة خارج فلسطين (الأردن وسوريا ولبنان) تحت يافطة التوطين وتحفيز الشباب الفلسطيني اللاجىء في هذه الأقاليم للهجرة لبلد ثالث، كما يحصل بالفعل منذ سنوات.
وقد رافقت كل ذلك، ومنذ اليوم الأول بعد توقيع اتفاقية أوسلو، جهود إسرائيلية مهولة لكي الوعي الفلسطيني والعربي ضمن مسار التطبيع، الذى كانت إحدى أهم تجلياته، إعادة صياغة المناهج التعليمية الفلسطينية، وبعض العربية، لتدجين الجيل الصاعد وما يرافقه، وعلى الأقل داخل الـ 700 مدرسة التابعة للاونروا، وعبر ٢٢ الف معلم ومعلمة، من خلال إقحام قصري لتعليم منهاج “حقوق الإنسان” وهو مساق تعليمي ظاهره بريء جميل، وباطنه خبيث.
التطورات المتسارعة ضد “الأونروا” منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ كلها تشير للنية المبيتة ضد “الأونروا” وملف حق العودة للاجئين. التطوران الأخيران خلال الأسبوع الماضي لهما دلالات ومآلات خطيرة للغاية. التطور الذي كان ذا بُعد إعلاني وإعلامي، تمثل بتوجيه وزير إسكان دولة الاحتلال تعليماته لـ “الأونروا” بضرورة إخلاء مقر رئاسة “الأونروا” في الشيخ جراح بالقدس، والذي شغلته وكالة الغوث منذ عقود طوال (وهو مقام على أرض محتلة) خلال ٣٠ يوما، وتدمير ما على ذات الأرض من منشآت (مكاتب الرئاسة ومكاتب الإدارة الإقليمية للضفة الغربية، ومخازن المساعدات الغذائية وغيرها) ودفع ٧ ملايين دولار لحكومة الاحتلال، بدل استخدام “أرض حكومية”، وانتهاك شروط التأجير لموقع تم تصنيفه اعتباطا كذلك منذ العام ٢٠٠٦ . وكل ذلك عقابا لـ “الأونروا” بسبب مزاعم الاحتلال بتورطها في “الهجمات الإرهابية في السابع من أكتوبر” حسب ادعاء وزير إسكان الاحتلال.
—————–
هدف إضعاف “الأونروا” بغرض إلغاء وجودها كاملة، لم يكن يوما ما هدفاً إسرائيلياً مرحلياً بل إنه هدف إستراتيجي بامتياز، يمهد للاحتلال الاسرائيلي الطريق نحو توجهه الأساس بالقضاء على حق العودة مستقبلا وبدون رجعة