الإسرائيليون وخديعة المفاوضات من أوسلو إلى الدوحة

ابراهيم ابراش

مع تكثيف الحديث عن قرب التوصل لصفقة بين إسرائيل وحماس، عبر الوسطاء القطريين والمصريين والأتراك وتحت الضغط الأمريكي، والشعب في غزة يترقب أي نتيجة للمفاوضات تؤدي لوقف حرب الإبادة ونحن نتفهم مشاعر أهلنا في القطاع المرحبين بأي اتفاق دون التدقيق بالتفاصيل وما قد يكون خفيا في الاتفاق وفي ثنايا نصوصه التي سنفنن المخادعة اليهودية في صياغتها بما يتناسب مع ما تريد، إلا أنه من المهم وللتوثيق التاريخي وأخذ الحيطة والحذر سنُذكِر بتجربة سابقة للمفاوضات مع العدو.

فكأن التاريخ يُعيد نفسه ما بين مفاوضات حماس الحالية في ظل الحرب ومفاوضات منظمة التحرير بعد توقيع اتفاقية أوسلو وفي ظل التسوية السياسية ومناخ السلام.

قد يستغرب البعض هذه المقارنة ويقول كيف تساوي بين المنظمة التي اعترفت بإسرائيل وأوقفت الكفاح المسلح وتفاوضت مباشرة مع العدو، وحركة حماس التي لا تعترف بإسرائيل وما زالت تقاوم ومفاوضاتها غير مباشرة مع العدو؟ ما سبق صحيح نظرياً ولكن دائما هناك ثلاثة عناصر مشتركة في الحالتين:

١- إن المفاوضات تجري بين طرفين غير متكافئين، الفلسطينيون لا يقاتلون ويحاربون إسرائيل وحدها بل أيضا الولايات المتحدة الأمريكية وغالبية دول الناتو معها، وحتى أوراق القوة المتوفرة عند الطرف الفلسطيني، وخصوصا عدالة القضية والتأييد الدولي لا تغير كثيرا في موازين القوى.

٢- في الحالتين إسرائيل غير صادقة فيما تزعمه من الهدف من المفاوضات سواء مع منظمة التحرير أو مع حركة حماس.

٣- إن الوسطاء أو من كانت تجري المفاوضات تحت رعايتهم إما منحازين لإسرائيل أو ضعفاء.

بالنسبة لمفاوضات حماس وإسرائيل، لو بقيت معادلة الحرب على ما هي عليه، العدو الصهيوني بكل قوته وتحالفاته الدولية، ومن جهة أخرى حركة حماس وحدها بعد تفكك محور المقاومة والتحول السلبي تجاهها من تركيا وقطر وتقلص حاضنتها الشعبية وطنيا وخارجيا، فإن كل ما يتم ترويجه عن مفاوضات شاقة وامتدادها لحوالي السنة وزعم واشنطن وتل أبيب أن حركة حماس تتحمل مسؤولية فشل المفاوضات الخ هو كذب وتضليل، ففي استمرار المفاوضات مع استمرار الحرب مصلحة خالصة للعدو لأنه في ظل الحديث عن المفاوضات تستمر إسرائيل في تنفيذ المخطط المُعد سلفاً في القطاع والضفة وإقليميا، وللأسف فإن الدول الراعية للمفاوضات واشنطن والدوحة والقاهرة يتحملون مسؤولية ولو جزئية عن إطالة الحرب والمماطلة في المفاوضات لأنهم يعرفون جيداً أهداف إسرائيل من الحرب والمفاوضات كما يعرفون القدرات الحقيقية لحماس وأنه ليس عندها أي أوراق قوة حقيقية تتفاوض عليها ،حتى المختطفين الاسرائيليين بات استمرار خطفهم وسقوط قتلى منهم لا يخدم حماس بل إسرائيل استراتيجياَ وإن احرجها تكتيكياً وعند جمهورها.

من هنا تأتي أوجه شبه بين المفاوضات الجارية اليوم بين إسرائيل وحماس والمفاوضات التي جرت بين منظمة التحرير وإسرائيل ما بين ١٩٩٤ إلى ٢٠٠٩، حيث كانت إسرائيل توظف المفاوضات والوسطاء ليس من أجل حل الملفات العالقة أو ما تسمى قضايا الوضع النهائي، بل لمواصلة مشاريعها الاستيطانية والتهويدية،و قد نجحت في تحقيق أهدافها، ومع أن المفاوضات مع المنظمة كانت مباشرة و مع حماس غير مباشرة ،إلا أن واشنطن والرباعية الدولية لعبوا نفس الدور التضليلي لوسطاء حماس اليوم.

أما القول بأن حماس ما زالت حركة مقاومة بينما المنظمة تخلت عن المقاومة فهو كلام تفنده حماس نفسها عندما تقول بأن هدفها النهائي ليس فقط وقف إطلاق النار بل وقف الحرب بشكل نهائي!

فكيف تطلب حركة مقاومة وقف الحرب مع عدو يحتل كل فلسطين وهي وضعت هدفاً رئيساً لها تحرير فلسطين؟ وهل شرط وقف الحرب سينطبق على إسرائيل فقط وتستمر حماس بالمقاومة؟ أم ستتوقف حماس عن المقاومة أيضاً؟ وفي هذه الحالة ما هو الثمن غير ضمان بقائها في السلطة فيما تبقى من بشر وحجر في القطاع، وهي التي خوًنت وكفُرت منظمة التحرير لأنها قبلت بوقف الكفاح المسلح مقابل سلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعودة حوالي ربع مليون للوطن وما أنجزته السلطة من بناء مطار ومؤسسات دولة وقوانين وأنظمة فلسطينية خالصة؟

وهل مطالبتها بوقف الحرب تشمل الضفة والقدس وكل الأراضي الفلسطينية أم في قطاع غزة فقط؟

للأسف وقعت حركة حماس في حبائل العدو أيضا في خديعة إيران، ولم تستفد من تجربة منظمة التحرير، لا في المقاومة والعمل العسكري ولا في المفاوضات والتجربة السياسية، وحتى مع قرب التوصل لصفقة فإسرائيل لن تلتزم بأي اتفاقات وستفسرها حسب مشيئتها.

مع مشاركتنا لأهلنا في القطاع تمنياتهم بنجاح مفاوضات صفقة وقف إطلاق النار وتلهفهم لنهاية مأساتهم ووقف الحرب نهائياً وحالاً لأن كل يوم يمر هناك مزيد من القتلى والجرحى والجوع والمرض، أما كيف وضمن أي شروط وحسابات الربح والخسارة بين المتحاربين وحتى مستقبل الحكم والسلطة بعد الحرب فهي ليست من الأولويات الآن بالنسبة لهم، وإن كنت أخشى أن تكون سبباً في قتال وفوضى داخلية بعد وقف الحرب.

بعيدا عن متاهات المفاوضات فإن أولويات الناس في قطاع غزة تبدأ بوقف الموت من خلال وقف القصف الجوي والمدفعي، وقف الجوع من خلال إدخال المساعدات من كل المواد الغذائية المجانية، وقف الموت بالأمراض والأوبئة والبرد بإدخال الدواء والمستلزمات الطبية والملابس.

مستقبل قطاع غزة بعد تنفيذ الصفقة

إن كان لاعتبارات ميدانية على حركة حماس أن تكون جزءا من مفاوضات وقف إطلاق النار لأنها طرف في الحرب إلا أنه ليس من حقها أن تكون طرفا في أي مفاوضات حول مستقبل قطاع غزة ولا حتى الحديث حول مستقبل القضية الفلسطينية، فهذا أمر من اختصاص منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

مع أن غالبية الشعب الفلسطيني وخصوصا أهالي قطاع غزة وغالبية دول العالم مع عودة السلطة الفلسطينية لغزة، إلا أنه كما يبدو لا تعمل الظروف لصالح هذا الهدف في الوقت الراهن لثلاثة أسباب:

الأول: يتعلق بالتحديات التي تواجهها السلطة في الضفة من طرف الحكومة الصهيونية المتطرفة من عربدة المستوطنين وتوسيع الاستيطان والحصار المالي، أيضاً بسبب أحداث المخيمات وخصوصاً مخيم جنين حيث تستنزف الأحداث قدراتها الأمنية وتًظهرها كسلطة ضعيفة، وهناك علاقة بين ما يجري في قطاع غزة وأحداث مخيمات الضفة.

السبب الثاني: لأن الأطراف المتحكمة في حياة الناس في القطاع وهي إسرائيل وحركة حماس، كذلك الوسطاء والدول الفاعلة في صفقة إطلاق النار ومستقبل غزة: واشنطن وقطر ومصر وتركيا والإمارات، كلها تقريبا غير متحمسة لعودة السلطة يفضلون استمرار سلطة حماس بعد أن تم إضعافها وتدجينها، أو تشكيل جسم بديل للطرفين مثل لجنة الإسناد المجتمعي مدعومة بتواجد دولي وعربي.

السبب الثالث: إن الصفقة التي توصلوا إليها وفي حالة بدء التنفيذ تحتاج لأشهر حتى تسترد إسرائيل كل مختطفيها الأحياء والأموات وتفرض ما تريد من ترتيبات أمنية وخلال هذه الفترة يكون وجود حماس أفضل لإسرائيل حتى تحافظ على الانقسام وتعطل إعادة الإعمار. وللأسف كل هذه الأطراف لا تُعير اهتماما كبيرا لمستقبل القضية الفلسطينية ولا حتى لاحتمالات حدوث فوضى وحالة عدم استقرار في القطاع ولا بإعادة إعماره.

ما سيعجل عودة السلطة هو معرفة حركة حماس أن الشعب في غزة يرفضها ولن يسكت على ما تسببت به ،بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من موت ودمار، أيضا الجهود المصرية والسعودية ودعم دول فاعلة في أوروبا وخصوصا التي تعترف بالدولة الفلسطينية لتغيير المخطط وإعادة السلطة لغزة، ولكن بعد ان تنجز إسرائيل كل أهدافها في القطاع وخصوصا استعادة كل مختطفيها واستكمال ما تريد من ترتيبات أمنية، وقد تدعم واشنطن هذه الجهود في سياق صفقة ترامب للتسوية في المنطقة وسيكون هناك ثمن تدفعه السلطة سواء في الضفة الفلسطينية أو فيما يتعلق بإعادة هيكلتها ،وثمن يتم دفعه لإسرائيل كالتطبيع السعودي معها.

إلى الآن موقف السلطة الفلسطينية وطني وثابت ونأمل أن تكون تصريحات الحية يومه الثلاثاء من قطر بأن حماس مستعدة للتخلي عن السلطة في القطاع صحيحة، وأن كنت أشك في ذلك

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً