الإعلام الرسمي الفلسطيني: بين رصانة الحقيقة وهدير الحملات المغرضة

بقلم : د. منى احمد ابو حمدية 

أكاديمية وباحثة 

– مقدمة : تلفزيون فلسطين … صوت يعلو على الضجيج

في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات المأجورة، وتنتشر فيه الأخبار المفبركة كالغبار في الهواء، يظل الإعلام الرسمي الفلسطيني صخرةً صلبة في وجه العواصف، ومنارةً للحقيقة وسط بحرٍ من التضليل. ليس من قبيل المصادفة أن يتعرض هذا الإعلام إلى محاولات تشويه منظمة، بل هو استهداف متعمد لمؤسسة وُلدت من رحم المعاناة الوطنية، وارتبط اسمها بصوت الشهداء وصبر الأسرى ودموع الأمهات وصرخات الجرحى.

كما قال محمود درويش: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”. والإعلام الرسمي الفلسطيني يترجم هذه العبارة يوميًا؛ إذ يحيا على نقل صوت الأرض والإنسان، مدافعًا عن حقهما في البقاء والكرامة.

– الإعلام الرسمي بين الدم والتاريخ :

لم يكن الإعلام الفلسطيني الرسمي يومًا مجرد وسيلة لنقل الأخبار. لقد كان – وما زال – شاهدًا حيًا على مرحلة تاريخية كاملة، ومساحة يلتقي فيها دم الشهداء بصوت الحقيقة. كم من صحفي ارتقى وهو يحمل الكاميرا سلاحًا، وكم من مراسل دفع حريته ثمنًا لكلمة صادقة، وكم من مقر إعلامي تحوّل إلى ركام بفعل قصف الاحتلال. ورغم كل ذلك، ظل الصوت الفلسطيني يخرج من بين الأنقاض كزيتونةٍ عصية على الاقتلاع، يؤكد أن الرواية الفلسطينية لا يمكن أن تُسحق مهما تكالبت عليها محاولات التزييف والتشويه.

ولعل كلمات غسان كنفاني تجد صداها هنا حين قال: “لا تمت قبل أن تكون نِدًّا”. فالإعلام الرسمي الفلسطيني لم يستسلم أمام حملات التشويه، بل واجهها بندّية، بالكلمة الصادقة والصورة الموثوقة، وبالإصرار على أن يكون الحق الفلسطيني حاضرًا مهما كان الثمن.

– دور القيادة الإعلامية: د. أحمد عساف نموذجًا

في قلب هذه المسيرة الصعبة، يقف الوزير د. أحمد عساف، المشرف العام على الإعلام الرسمي، بوصفه نموذجًا لقيادة إعلامية تحمل عبء الدفاع عن الرواية الفلسطينية بصدق ووعي وإخلاص. لقد استطاع مع طواقم الإعلام الرسمي أن يرفع مكانة هذه المؤسسة، ليس فقط محليًا، بل عربيًا ودوليًا، حتى صارت منصة أساسية تُعتمد عليها في نقل صوت الفلسطينيين إلى العالم.
لم يكتفِ عساف بإدارة مؤسسة إعلامية، بل حولها إلى صوتٍ جامع: صوت الشهداء الذين غابوا بأجسادهم وحضروا برواياتهم، صوت الأسرى الذين حوّلوا جدران السجون إلى منابر حرية، وصوت كل فلسطيني يرفض أن يُمحى من ذاكرة الأرض.

– التحديات الراهنة: بين الإعلام المضلل والتحول الرقمي

اليوم، يقف الإعلام الرسمي الفلسطيني أمام تحديات جسام، بعضها جديد، وبعضها امتداد لصراع قديم:
1. حملات التضليل الرقمي: شبكات منظمة تبث الإشاعات وتزيف الحقائق عبر وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لهز ثقة الجمهور بالمؤسسات الوطنية.
2. الضغوط السياسية والإقليمية: حيث تسعى قوى مختلفة إلى فرض سرديات مضادة للرواية الفلسطينية أو تقييد مساحة الحرية الإعلامية.
3. التحديات التقنية: في عصر السرعة والمعلومة الرقمية، يُطلب من الإعلام الرسمي أن يكون مواكبًا، مبتكرًا، وقادرًا على منافسة أدوات إعلامية تملك إمكانيات ضخمة.
4. الاستهداف الشخصي للكوادر الإعلامية: من خلال التهديد، والاعتقال، والتشهير، وهو ما يستدعي صمودًا نفسيًا ومهنيًا غير مسبوق.

ومع ذلك، فإن الإعلام الفلسطيني الرسمي، بتاريخه المليء بالتضحيات، لا ينكسر، بل يزداد صلابة، ويستمد من محنة الحاضر قوة تُمكّنه من رسم ملامح مستقبل إعلامي وطني أكثر رسوخًا وتأثيرًا.

– الإعلام الرسمي كدرع للوعي والذاكرة

أمام الرواية الإسرائيلية المضللة، يمثل الإعلام الرسمي الفلسطيني درعًا صلبًا، وسدًّا منيعًا في وجه حملات الطمس والتزييف. لقد نجح في إيصال معاناة الفلسطينيين وقضيتهم العادلة إلى كل محفل، وخلق مساحات للحوار والتضامن الدولي. إنه ليس مجرد ناقل للحدث، بل صانع للوعي، وحافظ للذاكرة الوطنية، وراوٍ لقصصٍ كان الاحتلال يريد لها أن تُمحى من الوجود.

– واخيرا : حين يعلو صوت الحقيقة

الإعلام الرسمي الفلسطيني ليس مؤسسة عابرة، بل هو روح وطنية تُقاوم النسيان، وضمير جماعي يُترجم الواقع بكل أمانة وجرأة. لقد قال ياسر عرفات يومًا: “يريدونني إما أسيرًا أو طريدًا أو قتيلًا… وأنا أقول لهم: شهيدًا، شهيدًا، شهيدًا”. وهذه الروح ذاتها تتجلى في الإعلام الفلسطيني الرسمي، الذي اختار الشهادة المهنية في سبيل الحقيقة، بدلًا من الخضوع أو الانكسار.

ورغم كل الحملات المغرضة، والأصوات المأجورة، والتحديات الرقمية والسياسية، فإن الحقيقة الفلسطينية تبقى أرسخ من أن تهتز، وأقوى من أن تُهزم. فالكلمة التي تُكتب بدم الشهداء لا يطالها التشويه، والصوت الذي يخرج من رحم الألم لا يخرسه التضليل.

لقد أثبت الإعلام الرسمي الفلسطيني، بقيادة الوزير د. أحمد عساف، أن المؤسسات الوطنية التي تتجذر في الأرض والذاكرة لا يمكن أن تنهار أمام الضغوط، بل تتحول الأزمات إلى فرص، والتهديدات إلى دافع للاستمرار. سيبقى الإعلام الفلسطيني الرسمي منبرًا للحق، ودرعًا للذاكرة، وصوتًا يصدح بين الأمم: أن هنا شعبًا حيًا لا يُمحى، وأن هنا قضيةً عادلة لا تُغيب، وأن الرواية الفلسطينية ستظل نبراسًا للأجيال، تحرس الحاضر وتضيء المستقبل.