السياسي – دخلت الحكومة الأمريكية، صباح الأربعاء، في حالة إغلاق بعد فشل البيت الأبيض والمشرعين في التوصل إلى اتفاق تمويل؛ ما أدى إلى توقف بعض الخدمات الفيدرالية ووضع مئات الآلاف من الموظفين في عطلة غير مدفوعة الأجر.
وتقول وسائل إعلام أمريكية إن الإغلاق الحالي قد يكون أكثر تأثيرا من الإغلاقات السابقة، حيث تخطط إدارة الرئيس دونالد ترامب لاستغلاله لتقليص حجم الحكومة، من خلال خفض الوظائف في مختلف الوكالات؛ وهو ما يواجه بالفعل تحديات قانونية في المحاكم.
ويعد هذا الإغلاق الأول منذ يناير/ كانون الأول 2019 والرابع خلال ولايتي ترامب، إلا أن المسؤولين في البيت الأبيض هذه المرة أشاروا إلى خطط لاستخدام الوكالات المغلقة كوسيلة لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية بشكل واسع وتركيز السلطة تحت سلطة الرئاسة، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”.
ما هو الإغلاق؟
يحدث إغلاق الحكومة عند فشل الكونغرس الأمريكي بإقرار قوانين إنفاق قبل موعد انتهاء صلاحية الاتفاق السابق.
ويؤدي الإغلاق إلى توقف جزئي أو كامل لعمل الوكالات الفيدرالية بسبب عدم تمرير التمويل اللازم؛ ما يؤدي إلى تعليق الأنشطة غير الضرورية، ويستمر بعض الموظفين في العمل دون أجر، بينما يعفى آخرون مؤقتا من مهامهم.
جذور الأزمة
ويعود سبب الإغلاق إلى تعثر المفاوضات بين الجمهوريين والديمقراطيين على قانون التمويل؛ إذ دعا الحزب الحاكم لتمويل الحكومة حتى 21 نوفمبر/ تشرين الأول 2025.
واعترض الديمقراطيون على ذلك، وطالبوا بتمديد إعفاءات قانون الرعاية الصحية الميسرة وإلغاء التخفيضات في برامج الرعاية الصحية والإعلام العام، وهي مطالب قدرت تكلفتها بحوالي تريليون دولار، وفق وسائل إعلام أمريكية.
تأثير الإغلاق
يؤثر الإغلاق بشكل واسع على الموظفين والمواطنين، حيث من المتوقع تعليق 900 ألف وظيفة، واستمرار 700 ألف دون أجر، بحسب مجلة “التايمز”.
وحذر الرئيس دونالد ترامب الديمقراطيين من عواقب الإغلاق الحكومي، مشيرا إلى أن الحكومة يمكنها اتخاذ إجراءات “غير قابلة للتراجع” تشمل تسريح أعداد كبيرة من الموظفين وإلغاء برامج يفضلها الحزب الديمقراطي.
وقال ترامب للصحفيين: “يمكننا القيام بأشياء خلال الإغلاق تكون دائمة وغير قابلة للعكس من جانبهم، مثل تقليص الموظفين، وقطع برامج يحبونها.”
ولا تتوقف الحال هنا؛ إذ تشير صحيفة “واشنطن بوست” إلى تأثيرات كارثية تطال خدمات الرعاية الصحية عن بعد لكبار السن، التي تعتمد على تمويل فدرالي؛ ما قد يعرّض ملايين الأمريكيين لتأخير في تلقي الخدمات الأساسية.
كما تتأثر عمليات وزارة التعليم بشكل جزئي، حيث قد تتأخر صرف بعض المنح والقروض الفيدرالية للطلاب، بحسب “وكالة أسوشيتد برس”.
التأثير الاقتصادي
تشير شبكة (NBC) في رصد لحالات سابقة، إلى تأثير محدود للإغلاق في الاقتصاد على المدى الطويل.
وأظهرت تقديرات “وول ستريت” ومكتب الميزانية الكونغرس الأمريكي أن أطول إغلاق على الإطلاق استمر 35 يوما بين 2018 و2019، وقلص الناتج الاقتصادي الكلي بنسبة لا تتجاوز 0.4٪.
ويعتمد الأثر الكامل على عدد الموظفين المفصولين أو الموضوعين في إجازة، ففي إغلاق 2013 تم وضع 40٪ من الموظفين المدنيين في إجازة؛ ما قد يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي بنحو 0.15٪ أسبوعيا إذا حدث شيء مماثل.
لكن الإغلاق الحالي يختلف عن الحالات السابقة؛ إذ هددت الإدارة الحالية بخفض الوظائف بشكل دائم في حال توقف الحكومة عن العمل، وليس وضع الموظفين في إجازة.
ويأتي الإغلاق في وقت حساس للاقتصاد الأمريكي، مع استمرار ارتفاع التضخم منذ أبريل/ نيسان وضعف سوق العمل بشكل ملحوظ، حيث كشفت بيانات مكتب إحصاءات العمل في سبتمبر/ أيلول عن انخفاض عدد الوظائف بمقدار 911 ألف وظيفة عن التقديرات السابقة، وتراجعت زيادة الوظائف لشهر يونيو/ حزيران إلى منطقة سالبة.
كما سيؤخر الإغلاق صدور تقرير الوظائف التالي المقرر يوم الجمعة؛ ما يزيد صعوبة قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة في أكتوبر/ تشرين الأول.
وعلى صعيد الأسواق المالية، تميل الأسواق عادةً إلى الاستقرار خلال الإغلاقات الحكومية، حيث لم يطرأ تغير كبير على مؤشر “S&P 500” عبر 20 إغلاقا منذ 1976، وغالبا ما يحقق المؤشر مكاسب طويلة الأمد بعد الإغلاقات.
من جهتها، حذرت صحيفة “وول ستريت جورنال” من أن القطاع الخاص سيكون معرضاً للخسائر، خاصة الشركات التي تعتمد على عمل الحكومة أو الموافقات الرسمية، مشيرة إلى أن “الإغلاق يحد من الإنفاق الحكومي ويقلل النشاط الاقتصادي؛ إذ يتوقف الموظفون عن صرف رواتبهم، ويؤثر على السفر والسياحة التي قد تخسر نحو مليار دولار أسبوعياً”.
وأضافت:” بشكل عام، الإغلاق يقلل من النمو الاقتصادي المؤقت، وقد يترك آثارا أطول إذا صاحبته تهديدات بفصل جماعي للموظفين”.
حالات سابقة:
في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، أدى خلاف حول تمويل برنامج الرعاية الصحية المعروف بـ”أوباما كير” إلى إغلاق الحكومة لمدة 16 يوما.
وتوقفت بعض الخدمات الفيدرالية مثل المتنزهات الوطنية والمتاحف الحكومية، وتأثر نحو 800 ألف موظف اتحادي تم وضعهم في إجازات غير مدفوعة. كما أجلت بعض الإعانات المالية مثل برامج الغذاء للفقراء؛ ما أثّر على شرائح واسعة من المجتمع، بحسب تقرير سابق لشبكة “CNN”.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، عاشت الولايات المتحدة الإغلاق الأطول؛ إذ استمر 35 يوما بسبب الخلاف حول تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك خلال رئاسة ترامب الأولى.
وأثر الإغلاق على نحو 800 ألف موظف اتحادي، وتم تأخير رواتبهم، كما توقفت الخدمات غير الضرورية مثل المتنزهات الوطنية، وأرجئت بعض المعاملات الحكومية الحيوية، مثل إصدار جوازات السفر.
وأثّر الإغلاق على الاقتصاد الأمريكي، مع تسجيل خسائر بلغت تقديراتها نحو 11 مليار دولار، بما في ذلك تأخر الاستهلاك الحكومي وتقليص النمو الاقتصادي خلال هذه الفترة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 1995، استمر الإغلاق 21 يوما خلال رئاسة بيل كلينتون، بسبب خلاف بين الرئيس والكونغرس حول الميزانية الفيدرالية، لا سيما خفض الإنفاق.
وأدى الإغلاق إلى تعطيل خدمات مثل إدارة الغذاء والدواء، ونظام البريد، ووضع أكثر من 800 ألف موظف في إجازات غير مدفوعة. وقدرت الخسائر الاقتصادية آنذاك بمليارات الدولارات؛ إذ انخفضت ثقة المستثمرين وارتفعت تكاليف الاقتراض الحكومي.