تشكل العلاقات الإماراتية الروسية نموذجاً متميزاً وفريداً في مجال العلاقات الدولية، مدفوعة برؤية استراتيجية مشتركة وإرادة سياسية من قيادتي البلدين نحو تعزيز وتنمية التعاون الثنائي بصورة مستدامة. إذ تجمع البلدين إمكانات تنموية واسعة وآفاق واعدة، تنطلق من أسس تاريخية قوية، قائمة على الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والرغبة في تحقيق مستقبل مستدام ومزدهر. تعود جذور العلاقات الثنائية بين الإمارات وروسيا إلى قبل أكثر من خمسة عقود، حين بدأت العلاقات الدبلوماسية بينهما على أسس من التعاون المتبادل والتنسيق المستمر.
وتعكس المحادثة الهاتفية الأخيرة بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما تبعها من زيارات رفيعة المستوى بين البلدين، عُمق العلاقات الثنائية الاستراتيجية التي تجمع دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا الاتحادية، وتبرز مكانة هذه العلاقة كواحدة من أبرز نماذج الشراكات الدولية المتقدمة والناجحة.
خلال الاتصال الهاتفي، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تقديره الكبير للدور المحوري الذي تلعبه دولة الإمارات في مجال الوساطة الدولية، وتنظيم عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، وهي عمليات إنسانية تبرز قدرة الدبلوماسية الإماراتية على إيجاد حلول حقيقية للنزاعات الدولية، وتعكس مصداقيتها العالية في الأوساط الدولية المختلفة.
وجاء في بيان الكرملين الرسمي بعد الاتصال أن الرئيس الروسي ثمّن الجهود الإماراتية الناجحة في تنظيم أكبر عملية تبادل للأسرى بين روسيا وأوكرانيا، والتي أدت إلى عودة (246) جندياً روسياً إلى بلادهم عشية عيد الفصح في 19 إبريل/ نيسان الماضي، وأكد أن ذلك تحقق بفضل المساعدة الإماراتية المباشرة. هذا النجاح يؤكد الثقة الكبيرة التي توليها روسيا وأوكرانيا للدور الإماراتي المحايد والنزيه، ويبرز ما تتمتع به دولة الإمارات من قدرة فريدة على لعب دور الوسيط في قضايا دولية شائكة ومعقدة.
في السياق ذاته، حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، خلال الاتصال الهاتفي على تهنئة الرئيس بوتين والشعب الروسي بالذكرى الثمانين لانتصار الاتحاد السوفييتي في الحرب الوطنية العظمى ضد النازية، وهي الذكرى التي تحتفل بها روسيا سنوياً في التاسع من مايو/ أيار. وتُظهر هذه التهنئة عمق التقدير والاحترام الإماراتي للتاريخ الروسي، وتعكس رغبة الإمارات في بناء علاقات دولية عميقة مبنية على الاحترام المتبادل والتقدير للتراث والتاريخ الوطني للدول الأخرى.
من جانبه، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقديره الكبير لدولة الإمارات على ما قدمته من جهود سابقة ناجحة في عمليات الوساطة الإنسانية بين روسيا وأوكرانيا، وأثنى على الجهود الإماراتية المستمرة في دعم مبادرات السلام العالمي، من خلال تبني مواقف متوازنة وفعالة. ويمثل هذا التعاون دليلاً على تطابق وجهات النظر بين البلدين في أهمية تعزيز التضامن العالمي وإيجاد حلول سلمية للأزمات.
وتأكيداً لهذه العلاقة المتميزة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا الاتحادية جاءت الزيارة الرسمية الأخيرة للفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، إلى روسيا، لتعكس حرص البلدين على تعزيز التعاون في المجالات الأمنية والشرطية والسياسية. وقد استقبل الرئيس بوتين سموه، حيث نقل تحيات صاحب السمو رئيس الدولة، وتمنياته للرئيس بوتين وللشعب الروسي مزيداً من التقدم والازدهار.
وتم خلال اللقاء استعراض المبادرات والمشاريع المشتركة بين البلدين في مجالات الأمن والتدريب الشرطي، مثل إطلاق الحوار الشرطي الاستراتيجي والتدريبات المشتركة المتعلقة بحماية الأطفال، وهي مبادرات مهمة تعكس رغبة قيادتي البلدين في توسيع التعاون، بما يضمن تعزيز الأمن والاستقرار وتبادل الخبرات الدولية في هذا القطاع الحيوي.
كما التقى الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان خلال هذه الزيارة المدعي العام الروسي، وتمت مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطوير التعاون الأمني والقضائي وتبادل التجارب الناجحة وأفضل الممارسات في المجالات القانونية والقضائية. هذا اللقاء جاء تأكيداً لمتانة العلاقات بين الدولتين ورغبتهما المشتركة في تطوير آفاق التعاون وتوسيع التنسيق الأمني بين المؤسسات المختصة.
هذه الجهود تؤكد أن دولة الإمارات أصبحت اليوم قوة دبلوماسية تتمتع بثقة دولية كبيرة، قادرة على العمل والتأثير الإيجابي في مختلف القضايا الدولية والإقليمية، ما يجعلها تلعب دوراً متزايد الأهمية في تعزيز فرص السلام والاستقرار، وإيجاد الحلول الإنسانية والدبلوماسية للنزاعات.
إن مثل هذه التحركات الدبلوماسية بين دولة الإمارات وروسيا تأتي من منطلق استراتيجي يهدف إلى تحقيق المصالح المشتركة بين البلدين وتعزيز الأمن والاستقرار العالميين، ويمثل ذلك تأكيداً واضحاً لرؤية صاحب السمو رئيس الدولة القائمة على مبدأ الدبلوماسية الإيجابية وتعزيز الحوار البناء.
وتمثل العلاقات الإماراتية الروسية اليوم نموذجاً أمثل للشراكات الاستراتيجية بين الدول، وتعززت هذه العلاقات بفعل التقارب الكبير في المواقف والرؤى السياسية والاقتصادية بين قيادتي البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بتعزيز الأمن والسلم الدوليين، ومواجهة التحديات المشتركة على المستويين الإقليمي والدولي.
الخليج الاماراتية