الاحتلال يمنع وصول قافلة حجيج الميلاد من القدس إلى بيت لحم

السياسي – في مدينةٍ تتقاطع فيها القداسة مع السياسة، تتحوّل القدس اليوم إلى مسرحٍ مفتوح لصراعٍ يتجاوز حدود “الانتهاكات الفردية”، ليكشف عن سياسة احتلال شاملة تستهدف الإنسان الفلسطيني ووجوده وهويته. هذا ما يجري في القدس، حيث منظومة متكاملة من القوانين والممارسات تعيد تشكيل المكان وسكّانه بالقوة، وتفرض واقعًا إقصائيًا يقوم على التمييز والفصل. هذا الواقع بالذات هو الذي يجسم على كاهل الفلسطينيين في بيت لحم، مهد السيد المسيح. وبيت لحم، تحتفل هذا العام بالميلاد للمرة الأولى منذ سنتين، بعدما كانت الاحتفالات في حرب الإبادة على غزة معلّقة.
ولكن الاحتفالات اقتصرت على الصلوات والشعائر الدينية التي وجهت بشكل خاص إلى أبناء الشعب الفلسطيني في غزة. ففي أعياد الميلاد خلال السنوات التي سبقت حرب الإبادة، كان العيد يحصل بتوجه قافلة الميلاد التي تضم الحجيج والمؤمنين ورجال الدين من القدس، وتنطلق باتجاه بيت لحم حيث تقام لها استقبالات ومراسم. وكانت تحصل اتصالات مع سلطات الاحتلال لفتح بوابة في جدار الفصل العنصري. وحاول الجانب الفلسطيني هذا العام الضغط باتجاه الحصول على موافقة لفتح البوابة، لكن حتى وقت كتابة هذا التقرير لم يكن الاحتلال قد أعطى موافقته بعد. ويقول الأب إبراهيم فلتس نائب حارس الأراضي المقدسة، إن “مدينتي القدس وبيت لحم كانتا عبر التاريخ مدينة واحدة، ولم يكن هناك أي فصل بينهما، غير أن الجدار فصل بين المدينتين، وعند إقامته أصرّت الكنيسة على ألا يؤدي ذلك إلى تغيير الواقع القائم أو المساس بوحدة المدينتين”.
وقال القس منذر إسحق، راعي كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم، إن ما يجري في القدس هو مخطط واضح لتهويدها على حساب تنوع هويتها، وتطبيق مباشر للمخطط الصهيوني، مشددًا على أن ما يحدث “ليس انتهاكات متفرقة، إذ لو كان الأمر كذلك لكانت هناك محاسبة من قبل السلطات الإسرائيلية” .
أما في غزة، فالمسيحيون أقلية صامدة رغم الإبادة. وفي زاوية من كنيسة العائلة المقدسة للاتين في غزة، كان الطفل المسيحي جورج سابا، البالغ من العمر اثني عشر عامًا، يتأمل الشموع الصغيرة الموزعة قرب المذبح.
يقول جورج إن “هذا الاحتفال جميل، لكنه ليس كما كان قبل الحرب”. ويضيف أن الكنيسة كانت تمتلئ سابقًا بالمصلّين، وكانت شجرة الميلاد تُضاء وسط ضجيج الأطفال وعدسات الصحافة، بينما اليوم تبدو المساحة أوسع من عدد الحاضرين، ويخيّم الصمت بثقله على التراتيل.
ويقول راعي كنيسة العائلة المقدسة للاتين في غزة، الأب غابريال رومانيلي إن عيد الميلاد هذا العام “الأصعب في تاريخ الكنيسة المحلية”. ويستحضر قصة العائلة المقدّسة التي عَبَرت غزة هربًا إلى مصر، ليؤكد أن المعاناة جزء أصيل من رسالة الميلاد.