كان الهدف الاستراتيجي لياسر عرفات دولة فلسطينية من نهر الاردن الى البحر المتوسط لم يتنازل عرفات ابدا عن فلسطين الكاملة لقد كان ينظر لنفسه من زاوية تاريخية قائدا عربيا مسلما يقود شعبه نحو النصر التام على دولة اسرائيل وليس الوصول الى تسوية معها . غير انه قرا الخارطة السياسية الدولية جيدا ولذلك لم يعلن هذا الهدف صراحة بل قام بالمناورة ثم المناورة لقد كانت المناورة اهم مواهبه . لقد ناور امام المعسكر الشرقي ثم لاحقا امام الاوروبيين وفي نهاية المطاف ايضا امام الامريكيين . ناور امام الراي العام الاسرائيلي والقيادة الاسرائيلية ايضا امام العالم العربي فعل الامر نفسه وفي داخل المجتمع الفلسطيني ابعد ثم قرب ثم قرب وابعد لقد كان عرفات فنانا حقيقيا في المناورة لقد تلاعب بالناس كما يفعل السحرة ولكنه وسط كل هذه الالاعيب والمناورات لم يفقد صلته بالهدف الاستراتيجي فقد كان دائم السعي نحو ذلك الهدف : استبدال اسرائيل بفلسطين .
لقد كانت نظرتي لعرفات مركبة : من جانب لا استطيع الا ان اقدره ومن الناحية الاخرى نظرت له ببغض شديد بسبب شخصيته المخادعة . لقد كنت اتعقبه لسنوات (مسؤولا عن ملفه) قرات كل جزئية عنه لقد ادركت انه كرس حياته للقضية الفلسطينية لقد كان خصما عنيدا . انا اكره الكذب غير ان علي الاعتراف بان اكاذيبه فعلت افاعيلها . لقد اثمرث انجازات كبيرة لشعبه ونجح عرفات الى تحويل نفسه من لا شئ الى القائد المطلق . وعلى الرغم من انه تسبب بالخراب في لبنان والاردن وايضا لاسرائيل غير ان الخراب لم يكن من اجل الخراب بوسط هذه الخرائب كان يرى هدفه واتجه نحوه عبرها . لقد كان محاطا بالفساد غير انه هو نفسه كان يعيش حياة متواضعة . استخدم الفساد _ من الفلسطينيين ومن الاسرائيليين _ في خدمة هدفه الوطني . لم تكن تعني الحياة الجيدة له شيئا كل ما يقوم به كان خالصا للقضية الفلسطينية . لقد كان مجندا بشكل تام لفلسطين علاقته بفلسطين كانت مطلقة. هناك من يقول ان افساد جهات من خصومه لم تكن خطة : لكنه فعل كذلك مع اطراف عديدة في لبنان بين عامي 1970 و 1982 وكذلك فعل مع شخصيات اسرائيلية تحديدا عبر رجله المقرب محمد رشيد . لذلك كانت تقلقني الصلات التجارية بين عرفات ورجاله مع شخصيات اسرائيلية عملت في السابق في الاجهزة الامنية مثل يوسي جينوسار وبالتاكيد بينهم وبين شخصيات مقربة من رئيس وزراءنا مثل عمري شارون والمحامي دوف فايسغلاس .
التاريخ سيقرر ان كان عرفات محقا ام لا . اذا نجحت اسرائيل بالبقاء والعيش كدولة يهودية تعيش بامن الى الابد فان عرفات لم يكن محقا اذا لم يكن كذلك فان عرفات سيكون محقا .في كل الاحوال يجب النظر بنزاهة فكرية والاقرار بان الروح الفلسطينية التي بلورها عرفات لم تكن روحا تتحدث عن اقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 بل كانت روحا تعمل على هدم دولة اسرائيل واقامة شيئا اخر مختلف على انقاضها . صحيح يدور الحديث عن التنفيذ على مراحل غير ان المرحلة الاكثر اهمية هي تدمير دولة اسرائيل . لهذا الهدف سعى عرفات كل حياته وهذا هو الارث الذي تركه للاجيال الفلسطينية القادمة
(موشيه يعلون النسخة المحدثة من كتابه الطريق الطويل القصير) جزء عرفات انا الثورة
ترجمة معاوية موسى