الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتطلب مزيدا من الواقعية السياسية

حميد قرمان

يأتي التوجه الفرنسي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ذات حدود الرابع من حزيران 1967، والمزمع أن يدخل في إطاره الرسمي في شهر سبتمبر المقبل، بمثابة بداية عودة التوازن السياسي المطلوب لاستقرار حقيقي في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن عاثت بها أدوات المحور الإيراني ضمن أجندات ومعادلات سعى نظام الملالي في طهران لتثبيتها.

سلسلة الاعترافات الأوروبية، التي بدأت سابقًا بدول مثل إسبانيا والنرويج وجمهورية أيرلندا، وتبعتها فرنسا بإعلانها، تعزّز من مكانة فلسطين القانونية على الساحة الدولية وتسهم في ارتفاع فرص انضمامها إلى الأمم المتحدة كدولة عضو. ويستند هذا التطور إلى عاملين رئيسين: الأول الضغط الدبلوماسي السعودي وجديته، الذي أثمر في تحريك مياه جمود سياسي سبق وتلا السابع من أكتوبر المشؤوم؛ والثاني تدرُّج إصلاحات السلطة الفلسطينية، الذي عبّر عنه الرئيس محمود عباس في رسالته إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، باستعداد منظمة التحرير لدعوة قوات عربية ودولية للانتشار في الأراضي الفلسطينية في مهمة استقرار وحماية تحت تفويض من مجلس الأمن الدولي.

أكدت الرسالة الفلسطينية في حينها على نقطة أساسية في غاية الأهمية: لا وجود لنية فلسطينية لعسكرة دولتهم، ما يجسّد الواقعية السياسية نهجًا وحيدًا لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وحماية وجوده على ما تبقى من أرضه التاريخية. ويبرز ذلك خاصة في ظل تداعيات السابع من أكتوبر وارتداداته التي ألقت بظلالها على خارطة الشرق الأوسط، ما سمح لمنظومة اليمين الإسرائيلي الحاكمة في تل أبيب بمواصلة تنفيذ مشاريعها ومخططاتها التوسعية في الجنوب السوري وأجزاء من قطاع غزة، والتمهيد لإجراءات ضم الضفة الغربية تحت غطاء أميركي يرى في هذا التمادي قدرة على بسط السيطرة وخلق واقع يتيح استقرارًا منتظرًا في المنطقة، في ظل غياب مواقف فلسطينية أكثر براغماتية وصدى لدى المجتمع الدولي.

الحاجة إلى البناء على الاعتراف الفرنسي ودفع الجهد الدبلوماسي السعودي المتواصل بزخم أكبر تتطلب مزيدًا من الواقعية السياسية واستعدادًا لتقديم تنازلات من أجل تحقيق السلام. ويأتي ذلك من خلال فهم واضح للمصالح والأهداف الإستراتيجية للفلسطينيين والطرف المقابل، والعمل على تحقيق التوازن بين هذه المصالح وثقافتها تحت سقف التعايش السلمي الحقيقي.

كل ما سبق يضع الفلسطينيين أمام حقيقة يجب التوصل إليها سريعًا، وهي إعلان إنهاء العمل المسلح بكافة أشكاله بشكل صريح ومانع. فهذا ليس ترفًا، بل نتيجة حتمية لعدم جدوى العمل المسلح أو العسكري في ظل ميزان القوة المائل لصالح دولة إسرائيل ومن خلفها حلفاؤها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. ويتطلب ذلك إدراكًا عاجلًا بأن نهج العمل الدبلوماسي هو الطريق الصحيح لتأسيس أرضية قانونية وسياسية لإقامة دولة فلسطين، قادرة على تقرير مصيرها بما يتوافق مع متطلبات واحتياجات المجتمع الدولي الباحث عن براغماتية فلسطينية من خلال خطوات وخطاب سياسي ينهي الذرائع الإسرائيلية المستمرة لتبرير الجرائم التي ترتكبها تل أبيب بحق الشعب الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى يقطع الطريق أمام تكرار العبث الإيراني بمعادلة التوازن المستقر في الشرق الأوسط التي تحققت بعد اتفاقيات السلام بين إسرائيل ودول عربية.

عن العرب اللندنية