لم تكن صفقة الغاز بين مصر و”إسرائيل” التي أعلن عن الموافقة عليها رئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو مؤخرا،والتي تنص على ان تقوم “إسرائيل”بتزويد مصر بكمية تقدر ب 130 مليار متر مكعب من الغاز المسال لمصر لمدة طويلة تمتد الى عام 2040 بقيمة 35 مليار دولار،لم تكن سوى حلقة من حلقات اقتصادية تسعى الولايات المتحدة الامريكية ممثلة بإدارة الرئيس الأمريكي دولاند ترامب القادم لقيادة اكبر دولة في العالم من الخلفية التجارية،تلك السياسة التي تحاول ان تثبت الرؤية السياسية لأكثر جغرافيا ملتهبة ومتوترة – الشرق الأوسط – من خلال تغليف السياسة باطار ” ناعم”،ورسم الخارطة للمنطقة من خلال تثبيت اقتصادي ضمن مشاريع استراتيجية سياسية تعمل على دمج “إسرائيل” بالدرجة الاولى.
وهذا ليس جديدا،أو مستحدثا،بل سياسة متواصلة على كافة الجهات،وعلى مدى عقود الصراع العربي “الإسرائيلي”،مع الدول العربية التي طبعت،اوعقدت اتفاقيات “سلام” مع ” إسرائيل”،فالتطبيع الذي جرى بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و”إسرائيل” في نهاية أيلول من العام 1978من القرن الماضي،شملت جانب اقتصادي،واشارت الى منح مصر مساعدات تقدم من الولايات المتحدة بقيمة 1,3 مليار دولار منها مساعدات عسكرية بالإضافة لـ400 مليون دولار مساعدات اقتصادية،وبلغ ميزان التبادل التجاري بين مصر و”إسرائيل” مائلا لصالح “إسرائيل” بقيمة 2،3 مليار دولار سنويا مقابل 347 مليون دولار حجم التصدير المصري “لإسرائيل”،وكذلك مع الأردن بغض النظر عن مستوى نجاحها وفشلها بفعل الانكماش الشعبي الرافض بمعظمه لتطبيع العلاقات مع ” إسرائيل”،فقد حمل اتفاق وادي عربة بنودا في التعاون الاقتصادي الذي كان الهدف الأهم فيه ان تكون الأردن معبرا للبضائع “الإسرائيلية” لدول المنطقة التي لم تعارض الاتفاقيات والتطبيع،او دول في اسيا لا توجد بينها وبين “إسرائيل” علاقات تجارية،وكذلك التطبيع الحديث ضمن ما سمي بالمشروع الابراهيمي مع الامارات والبحرين شمل الجانب الاقتصادي،ويكفي ان نعلم ان الامارات قد ضخت احدى عشر مليار دولار في شرايين الاقتصاد “الإسرائيلي” كودائع او الاستثمار،ويكفي ان نسوق مثالا آخرا على ذلك وهو تسجيل” إسرائيل”رقمًا قياسيًّا لصادراتها من الأسلحة في عام 2022،بلغ 12 مليارًا و556 ألف دولار،دُفع نحو ربعها من قبل الانظمة العربية الموقّعة على “اتفاق أبراهام” (الامارات والبحرين)، وفق ما نشرت “وزارة الأمن الإسرائيلية”
.وحتى خطة ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة مبنية على نظرة ترامب وحلمه لتشكيل غزة الجديدة بأن تحول الى ريفيرا الشرق الاوسط،يتم خلالها لاستثمار شواطئها ومياهها بما يمحو الشكل النمطي لقطاع غزة بفائدة تعود على الولايات المتحدة بالفائدة الاقتصادية بالدرجة الأولى خاصة للمكتشفات الحديثة من الغاز والبترول في المياه الإقليمية لقطاع غزة والتي لا زالت كميات هائلة عذراء لم تستغل ولم تستخرج،بل ربما يحول قسم من قطاع غزة ككقاعدة عسكرية استراتيجية لانتشار الجيش الأمريكي لاحقا،خاصة وان نص الخطة الترامبية يشير الى ان يقود ترامب شخصيا ما يسمى ” بمجلس السلام ” الخاص بغزة،الامر الذي سيجعله حتما مسيرا للسياسات التي سيتم تنفيذها على الأرض.
كذلك مع لبنان المفاوضات التي وسعت لبنان وإسرائيل دائرتها مؤخرا باشراف لجنة مراقبة وقف اطلاق الناروالتي تعرف باسم ” الميكانيزم”،لها جانبان جانب امني وجانب اقتصادي،بناء وتلبية أيضا على رغبة الولايات المتحدة الامريكية لان يتحول جنوب لبنان لمنطقة اقتصادية كنوع من حل جذري للصراع بين إسرائيل ولبنان،وعندما لم يعلن عن أي تقدم في مفاوضات جلسة التاسع عشر من الجاري فيما يخص الجانب الأمني،ذكرت وكالة الانباء عن تقدم في المجال الاقتصادي،وعن النية في وجود مبادرات اقتصادية ممكنة بين الطرفين،اضف الى ذلك سعي الولايات المتحدة التي تراعى وتتابع المفاوضات بين النظام السوري الجديد و” إسرائيل” لان يرتبط التوصل لحل امني بين سوريا وإسرائيل بوضع اقتصادي.
هذه الشواهد،وهذه السياسة من قبل الولايات المتحدة تحاول وتسعى وعبر عقود مضت لربط “إسرائيل” ودمجها من خلال انشاء علاقات اقتصادية بين ” إسرائيل” والدول التي طبعت معها او وقعت معها اتفاقية سلام،لادراكها ان الواقع العربي والشرق اوسطي بمعظمه لا زال يرفض قبول ” إسرائيل” في الاندماج في هذه المنطقة بالرغم من بعض اتفاقيات ” السلام” والتطبيع التي وقعتها بعض الأنظمة والحكومات مع “إسرائيل”.






