الانتفاضة التي لم تكتمل .. والانفجار الذي لم نتعلم منه

بقلم فادي قدري أبوبكر

أطلق المؤرخ والصحفي الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه (الانفجار 1967: حرب الثلاثين سنة) الصادر عام 1990 مصطلح “الانفجار” لوصف الصدمة المفاجئة التي أحدثتها هزيمة يونيو 1967 على الوعي العربي، نتيجة الانقسامات الداخلية وضعف التنسيق بين القيادات. وبالمثل، كشف الانفجار بعد السابع من أكتوبر 2023 في غزة عمق الانقسام الفلسطيني وهشاشة التنسيق بين الأطراف الفلسطينية وارتباك الموقف العربي، مما يوضّح كيف أن الأزمات تكشف نقاط الضعف وتستدعي إعادة تقييم السياسات والخطط المستقبلية.

في المقابل، تحلّ الذكرى الـ38 للانتفاضة الأولى كتذكير بقدرة الشعب حين تتقدم وحدته على خلافاته. فقد كانت الانتفاضة نموذجاً للمقاومة الشعبية المنظمة، أعادت إحياء القضية دولياً، وفرضت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً، ودفعت المجتمع الإسرائيلي لإعادة النظر في سياساته. وقد بقي أهم دروسها ثابتاً: أن العمل الشعبي الموحد، حين يرتبط بهدف سياسي واضح، يمتلك قدرة تفوق قوة السلاح في كسب العالم وتحجيم الاحتلال.

اليوم تبدو المعادلة مختلفة. فحركة حماس تواجه انتقادات واسعة، بعضها فلسطيني قبل أن يكون دولياً. لكن انتقاد الحركة لا يلغي الحق الوطني ولا يبرر التفريط به، والخطر الحقيقي يكمن في استخدام هذا النقد لضرب جوهر القضية، عبر ربط الحقوق الفلسطينية بتمثيل سياسي واحد بهدف إضعاف التعاطف العالمي. وهنا تتأكد أهمية العودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية ودور السلطة بوصفهما الإطار الشرعي القابل لترجمة الحق إلى سياسة معترف بها دولياً، ضمن مسار حل الدولتين، لا كحلٍّ مثالي، بل كأداة عملية لحماية الحقوق من الضياع.

وعلى المستوى الإقليمي تتكرر الصورة ذاتها؛ إذ لم تُحدث موجات التطبيع المنفرد أي تغيير في طبيعة الاحتلال الإسرائيلي، بل شجعته على مزيد من التوسع. فالتنازلات العربية لم تُنتج سلاماً، وإنما زادت من شهية الاحتلال، خاصة في ظل الدعم الأميركي اللامحدود والانقسام العربي المتعمّق. وهكذا يتأكد أن ضعف الموقف العربي لم يكن عاملاً ثانوياً، بل أحد الأسباب المركزية في تفاقم الأزمة.

وتأتي المسؤولية كالعنوان الأثقل.. صحيح أنها مسؤولية جماعية تشترك فيها التنظيمات والمجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية وحتى العائلات الفلسطينية، لكن بعض القوى- وفي مقدمتها حركة فتح- تتحمل جزءاً أكبر بحكم تاريخها ودورها، ومن واجبها تقديم خطاب جامع، وحماية الهوية الوطنية، وإعادة ضبط البوصلة السياسية.

في النهاية، يجمع درس الانفجار ودرس الانتفاضة حقيقة واحدة: الشعب ثابت… لكن القيادة متعثرة. لا يمكن حماية الحقوق دون تمثيل سياسي قوي، ولا يمكن بناء مستقبل دون استراتيجية موحدة، ولا يمكن استعادة الكرامة السياسية دون موقف عربي متماسك. فالخطوة الأولى تبدأ بإنقاذ الوحدة، وكل ما عدا ذلك تفاصيل في زمن لا ينتظر المترددين .