الاونروا.. ماذا بعد؟

سامي مشعشع

فلسطين – المخاطر والصعوبات التي تواجه الفلسطيني في فلسطين المحتلة مركبة، وتراكمية ومتواترة “وتهد الحيل” ومن الصعب بمكان في كثير الأحيان التقاط اياً منها لها تداعيات استراتيجية كارثية تضرب معتقداتنا وثوابتنا الوطنية. القدس عاصمتنا وحق عودتنا كثابتين أساسيين يتعرضان فى حقبتنا هذه ويومنا هذا لأعنف هزة منذ نكبتنا؛ هزة تكاد ان تطيح بكليهما.

لم يكن مأمولا ان تنقض المحكمة العليا للكيان قانون الكنيست الأول، من قانونين، استهدافا الاونروا والقاضي بإلغاء اتفاقية كوماي – مكليمور للعام ١٩٦٧ ورفع الحصانة الديبلوماسية عن الوكالة وسحب امتيازاتها وإعفاءتها الضريبية ومنعها من التواجد وتقديم الخدمات للمنتفعين منها من بين صفوف اللاجئين الفلسطينين في القدس وإخلاء مقر الرئاسة التاريخي خاصتها. وقاضية المحكمة العليا باراك-بيريز رفضت إصدار أمر قضائي بتجميد سريان القانون بحظر أنشطة الوكالة لان التشريع والقانون الإسرائيلي يعتبر القدس “منطقة سيادية” [أي انها لهم، نقيضا للقانون الدولي وللأمم المتحدة، عاصمة غير محتلة وأبدية وموحدة]، وارتكزت القاضية بقرارها هذا على ان حكومة الاحتلال وبلدية الاحتلال، وعلى مدى التسعين يوما الماضية، بذلت “جهودا لتوفير بدائل لخدمات الاونروا في القدس الشرقية”.

المشرع الإسرائيلي ليس غبيا وتبنى قانونين يخصان الاونروا وليس قانونا جامعا واحداً بشكل مقصود وبهدف مزدوج. القانون الأول بحظر الاونروا من القدس جاء كمدماك إضافي وجديد لتثبيت واقع انها قدسهم وعاصمتهم ولا مكان لهيئة دولية تعكس موقفا أمميا يقول عكس ذلك. القانون الأول رسم له مساحة جغرافية محددة هي القدس لاداركهم انه بالإمكان، وبحيز زمني قصير، تطبيقه وإيجاد بدائل للاونروا لضمان ان لا يكون هناك فراغا خدماتيا، ولتثبيت الرسالة السياسية المقصودة من سن القانون. وهكذا كان. بدءا من الأول من شباط هناك تقريبا ٥٠٠ موظف من العاملين في مقر الرئاسة ممنوع عليهم دخول المقر. ما يقارب من ٤٠ موظف دولي تركوا القدس والمقر الى الأردن (ولكن ليس قبل ان عقدوا حفلة وداعية لهم توديعا للمقر بالأمس !!). أما عيادة الاونروا الكبيرة داخل أسوار البلدة القديمة فقد أقفلت أبوابها وعلى المرضي تدبر امورهم لوحدهم إذ ان الوكالة، كسابق أدائها منذ حرب الإبادة، لم تقدم لهم حلولا وأجوبة. والكيان ليس في عجلة من امره. القانون ساري المفعول، ولكن تنفيذه على ارض الواقع فيما يتعلق بمخيم شعفاط ومدارسها وعيادتها داخله، ومصير الطلبة في معهد قلنديا للتدريب المهنى ليس بالضرورة له ان ينفذ اليوم. سيتم تنفيذه بالتدريج والقضم ولا استبعد قرارهم بالإبقاء على عمل المدارس ومعهد قلنديا حتى انتهاء هذا العام الدراسي مع النية على وقف عمل المعهد والمدارس مع بدء العام الدراسي الجديد في أيلول القادم. السواد الأعظم مما يقارب ١١٠،٠٠٠ لاجيء مقدسي يعيشون اليوم دون مستوى خط الفقر وانهاء دور الوكالة سيزيد من أوضاعهم الاقتصادية والحياتية سوءا وسيضاعف من شظف الحياة وصعوبتها على المقدسيين كافة.

قانون الكنيست هذا قيد التنفيذ صمم له كى يكون مفتاحا وممهدا للبدء التدريجي المتسلسل للقانون الثاني والذي سيضمن خنق الوكالة وتفتيت قدرتها على العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة. منع الاونروا من استيراد حاجاتها من الموانىء الاسرائليه، رفع الإعفاءات الضريبية عنها، منع إصدار تأشيرات لموظفيها الدوليين، التضييق على تحركاتها وعمل عامليها الفلسطينيين وتوظيف المئات من الحواجز لشل حركاتها، كما تشل حركة كل الفلسطينيين، وخنق قدرتها على التحرك في مناطق جيم وباء وتجويع للأونروا ماليا والتدمير الممنهج للمخيمات في شمال الضفة وجعلها أماكن غير قابلة للحياة، ترجمة لنموذج غزة، وتهجير سكانه داخليا، والارتفاع المدروس لعنف المستوطنين وتطبيق سياسة الضم.. إلخ كلها “سيضمن” القضاء الممنهج على الاونروا سياسيا ورمزيا واضعاف حق العودة كثابت وطني والاستبدال التدريجي لخدماتها لضمان عدم وجود فراغ خدماتي. ولا حاجة للاستفاضة في “نجاحات” الكيان في خلق واقع في غزة-ما-بعد-الحرب يكون دور الوكالة فيه هامشيا ومغيبا.

الكيان صبور. الكيان يخطط. الكيان ينفذ.

الاونروا تقف اليوم شبه عاجزة خدماتيا، مشلولة سياسيا وتجمع وتكدس رسائل الدعم والإشادة المملة وفاقدة القدرة على إيقاف نزيفها. الوكالة اليوم تقف بدون اية خطة اممية او عربية او فلسطينية لصد الهجوم الوجودي عليها. الاونروا اليوم، ووراءها المؤسسة الام، فشلت فشلا ذريعا في توفير “الحماية” للاجئين الفلسطينين والتي هي جزء أصيل من ولايتها ناهيك عن تجريدها من قدرتها على توظيف قدرات عامليها في تقديم الخدمات الأساسية لملايين من اللاجئين الفلسطينين. وكل أعلاه يترافق مع جهد ترامبي امريكي جاد (مرة أخرى جاد) لتنفيذ مخطط ترحيل للغزيين.

هل الصورة قاتمة؟ نعم.
هل ما يحصل في القدس وفلسطين بشكل عام فيما يتعلق بملف الاونروا وحق العودة قدرا محتوما؟ لا.
هل سينجح الكيان وأعوانه وداعميه بانهاء عمل الوكالة التدريجي في فلسطين المحتلة؟ بكل ألم المؤشرات تقول بذلك.
هل هناك استجابات لبعض الكيانات العربية وغيرها لتفتيت الفلسطيني جغرافيا “واستيعابه” الدائم خارج فلسطين “وتدجين” من يتبقى في فلسطين التاريخية؟ نعم.
هل لدينا خطة فلسطينية جامعة وحراكا سياسيا، ديبلوماسيا، وشعبيا للمواجهة؟ لا.
هل بالإمكان النهوض بهكذا خطة في ظل انقسام سياسي وتشرذم فصائلي وتقطيع جغرافي وتغييب فلسطيني الشتات؟ طبعا لا.
هل تكفي بيانات الغضب والرفض وتصريحات الشجب؟ يبدو ان كثيرونا مقتنع بان هذا كاف وأنه كفى المؤمنين شر القتال.

 

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً