البحث العلمي في الإعلام الرقمي وأخلاقياته

د. أشرف الراعي

اليوم، وفي ظل الثورة التقنية، تتوهّج الشاشة أكثر من الورق، ومن هنا بات تطوير البحث العلمي في مجال الإعلام الرقمي ضرورة معرفية وأخلاقية.

 

فالمعرفة العلمية تتحرك بسرعة الضوء، لكن سرعتها لا تعني دائمًا صحتها أو نزاهتها، وهنا تحديدًا يبرز التحدي: كيف نبحث؟ ولماذا نبحث؟ وكيف نضمن أن يكون الناتج العلمي في الإعلام الرقمي أداة لتمكين المجتمع لا لتضليله؟ وكيف يجب أن يلتزم الإعلام الرقمي بالأخلاقيات والتشريعات والقوانين الناظمة؟

المشهد الرقمي يحرّض الخيال والقدرة على إنتاج المحتوى، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب واسعًا أمام الانحيازات الخفية، وتضارب المصالح، وتلاشي الخط الفاصل بين الحقيقة والتلاعب. ومن هنا بات البحث العلمي في هذا السياق إعادة رسم حدود هذا التطور، وفرز ما هو أصيل مما هو طارئ، وما يخدم الصالح العام مما يهدد التماسك المجتمعي.

الجامعات تقوم، طبعًا، بدور يشبه الوقوف في مركز دوامة رقمية، تحاول تثبيت البوصلة في اتجاه المعرفة الرصينة. ومن هنا فإن جامعة أبوظبي، على سبيل المثال، قدمت في السنوات الأخيرة نموذجًا لجامعة عربية تصوغ علاقتها بالإعلام الرقمي على أساس ثلاثية واضحة: البحث، والتدريب، والالتزام الأخلاقي، وهو ما عكسته الجامعة في برامجها التي طرحتها خلال ملتقى بريدج العالمي الذي التئم في العاصمة الإماراتية أبوظبي.

فبرامجها الأكاديمية تُنشئ جيلاً من الباحثين القادرين على قراءة المنصات ليس باعتبارها أدوات تواصل فحسب، بل بوصفها بيئات ذات تأثير اجتماعي وقانوني واقتصادي عميق. كما أنها تشجع مشاريع بحثية تتناول قضايا المحتوى المضلل، وخطاب الكراهية، وحوكمة البيانات، وتربط ذلك بإطار أخلاقي يضمن أن يبقى الإنسان في قلب العملية الرقمية.

الالتزام بالأخلاقيات في الإعلام الرقمي معيارٌ لشرعية المعرفة المنتجة داخله؛ فالجامعة التي تدرب طلابها على التحقق من مصادر البيانات، وعلى احترام خصوصية الأفراد في البيئة الرقمية، وعلى رفض تحويل البحث إلى مجرد أداة لخدمة خوارزميات الانتشار؛ هي جامعة تضيف للمشهد العلمي قيمة حقيقية. وهذا ما يجب أن يتم من خلال دمج أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وحماية البيانات، والتفكير النقدي في تحليل المحتوى لضبط إيقاع التطور الإعلامي بدل أن تتركه لتداعيات السوق وحدها.

تطوير البحث العلمي في الإعلام الرقمي هو مشروع مستمر، يتطلب شجاعة معرفية وقدرة على مساءلة الذات؛ فالإعلام الرقمي يتغير بسرعة، والهياكل الأخلاقية تحتاج إلى تحديث مستمر. ودور الجامعات هو أن تبقي هذا الحوار مفتوحًا: كيف نوازن الإبداع بالمسؤولية؟ كيف نحمي الحرية دون أن نهدر الخصوصية؟ وكيف نستخدم التكنولوجيا دون أن نسلّمها مقاليد الحقيقة؟

ومع كل بحث جديد، ومع كل طالب يُدرَّب على التفكير الأخلاقي قبل التقني، تزداد قوة المجتمع في مواجهة الفوضى الرقمية؛ فتطوير البحث العلمي في الإعلام الرقمي هو دفاع مستمر عن مستقبل الحقيقة في زمن الشاشات.

عن العين الاماراتية