عُمْرُ “أخي جاوز الظالمون المدى” من عُمْرِ إسرائيل. منذ ذلك الزمن ولا يفعل الظالمون سوى أن يتجاوزوا المدى. ولكن أين يقع ذلك المدى؟
قبل هذا هل يليق بالمظلوم أن يبقى مظلوما دائما؟ لقد سخرت الأقدار منا كثيرا. من المؤكد أن ذلك لم يكن حقيقيا دائما. غير أن المؤكد أننا قوم نحب البكاء على الأطلال.
كانت لدينا قاهرة المعز وقبلها بغداد الرشيد وقبلهما دمشق عبدالملك. لا تزال الأندلس تحمل بصماتنا العامرة بجمال خالد. قيل إن ساعة الرشيد خطفت قلب شارلمان.
تقول الوقائع إن بغداد سقطت قبل أن يدخلها المغول، حتى أن هولاكو بقي يتفرج عليها بعد أن سمح لجنوده باستباحتها أياما قبل أن يموت ابن العلقمي كمدا.
ولم يجلس ابن خلدون في خيمة تيمورلنك لولا أنه عرف أن الخطب عظيم وأن فقهاء السياسة الذين كذبوا كثيرا قد هُزموا ولم يعد إعلامهم قادرا على إخفاء الحقيقة.
ما الذي كان العرب يفعلونه قبل سقوط أندلسهم؟ كانوا يتآمرون، بعضهم على البعض الآخر. يستعين الأخوة الأعداء بجيوش أعدائهم في حروب الطوائف.
في 1948 يوم كتب علي محمود طه قصيدته التي تبدأ بـ“أخي جاوز الظالمون المدى” هل هزمت العصابات الصهيونية الجيوش العربية حقا؟
لو حدث ذلك فعلا فسيكون علينا إعادة النظر في تاريخنا. لم تكن هناك دول ولم تكن لنا جيوش. هناك مقبرة لشهداء الجيش العراقي في فلسطين. مَن قتلهم؟
يُقال إنه في اليوم الذي قررت فيه بريطانيا سحب قواتها من فلسطين وهو اليوم الذي أعلن فيه اليهود قيام دولتهم لم يذهب عرب فلسطين إلى مكاتبهم في ما ذهب اليهود.
كانت الهزيمة مبيتة وكان علينا أن نُهزم.
ثلاثة ملوك عرب هُزموا في حرب صورية. اهتز عرشان. الأول في مصر عام 1952 والثاني في العراق عام 1958. أما الثالث وهو عرش الأردن فقد ظل صامدا لأن بريطانيا كانت هناك ولأن الأردن كان قد خُطط له أن يكون الحاضنة لأكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين سيطرقون أبوابه بعد حوالي عشرين سنة وقد تم تطبيع مواطنتهم.
اختفت “أخي جاوز الظالمون المدى” من الإذاعات العربية. ولكن اللحن الذي وضعه كمال الطويل لأغنية “والله زمن يا سلاحي” عام 1956 صار نشيدا وطنيا لمصر والعراق.
كان يجب أن ننسى المظلوم من أجل ألاّ يعيث الظالم في الأرض فسادا. مجرد فكرة لم تنفع “ابن يقولك يا بطل” التي غناها عبدالحليم حافظ في تجسيدها واقعيا.
لست بصدد تعداد هزائمنا في العصر الحديث وإلا صرت واحدا من الباكين على الأطلال. فالشيء الذي يبعث على الأسى أن العرب ازدادوا فرقة في طريقة نظرهم إلى ما كانوا يسمّونها قضيتهم المركزية.
ولا أبالغ إذا ما قلت إن الفلسطينيين قد مهدوا لذلك الاختلاف حين صار البعض منهم واجهة لإيران في مشروعها التوسعي. فلا فلسطين إلا من خلال ولاية الفقيه.
هكذا انتهينا إلى هزيمة من شأنها أن تؤكد كل هزائمنا السابقة هي من صنعنا. كانت فلسطين بين أيدينا غير أننا أهملنا الذهاب إلى مكاتبنا.
ولا أعتقد أن الجيوش العربية عام 1948 كانت قد حاربت على خارطة معدة سلفا. لقد هُزمت لأنها لم تكن على دراية بالأرض التي تحارب عليها.
ما يحدث في غزة اليوم هو نوع من الاحتكار الإيراني لفكرة الهزيمة العربية في فلسطين وهو ما استفادت منه إيران يوم اخترعت المقاومة اللبنانية متمثلة بحزب الله.
لقد تم نسف الانتصار المصري في أكتوبر عام 1973 بتحرير الجنوب اللبناني عام 2000. وهي عملية أُريد من خلالها استبدال الحضور العربي بالوصاية الإيرانية.
لقد انتصر حزب الله يومها على إسرائيل وهو ما يعني أن إيران انتصرت. كان على العرب أن يدفعوا الثمن الذي لم تدفعه إسرائيل.
ولكن ما الفرق بين إسرائيل وإيران؟
ذلك هو السؤال الذي يشكل المساحة التي يتحرك فيها الوعي السياسي العربي. أسوأ ما نملكه هنا أن نفكر في الطرف الأكثر خطورة من الآخر. في حين علينا أن نفكر في الأسباب التي جعلتنا نخضع لقدر من ذلك النوع.