البنك المركزي في ليبيا… الفساد وغسيل الأموال

ميلاد عمر المزوغي

من أسباب الأزمة الحالية بلايين الدنانير التي تمّ صرفها على هيئة منح للثوار، والعلاج المجاني على حساب الدولة للمتنفذين فيها. ومن المهم الإشارة إلى أنّ إحدى أهم أدوات البنوك المركزية عالميًّا هي التحكم في سعر الفائدة لضبط عرض النقود، وهي غير متاحة في ليبيا، حيث توقفت المصارف التجارية عن منح القروض منذ ثورة 17 فبراير، ما جعل المصرف المركزي يفتقر إلى أداة أساسية للسيطرة على التضخم وتأثيرات تقلبات سعر الصرف.

المؤكد أنّ المصرف المركزي في عهد الصديق الكبير، الذي ظلّ على رأس المؤسسة المالية لما يقرب من 13 سنة، لم يكن له دور في رفع الرواتب دون دراسة، وكذلك الإنفاق العام الذي استنزف إيرادات الدولة كاملة، فأصبحت الخزينة على شفا الإفلاس. ومع ذلك لم يُقدِّم النصح للحكومة بشأن تصرفاتها في هدر الأموال، بل اتّخذ سياسة فرض الضريبة على العملة الصعبة التي وصلت إلى 30 في المئة وهي بطبيعتها تُحمَّل على كاهل المواطن، ما جعله غير قادر على توفير الحاجات الضرورية للعيش. ويعيش ما يقرب من ثلثي الشعب تحت مستوى خط الفقر.

كان على المحافظ أن يُقدِّم استقالته، لأنّ ما تشهده البلاد يُشير إلى حكومة فاسدة بكل المقاييس، والسير في نهجها يُعدّ شراكة في الفساد. فالمحافظ لم يتدخّل بشأن إيقاف السيولة عن المنطقة الشرقية، ذلك القرار الجائر الذي اتخذته الحكومة، ما جعل فرع المصرف في بنغازي يُقدم على طباعة أوراق نقدية في روسيا لحاجة الناس هناك إليها. كما أنّ الكبير كان يتصرّف بصفة فردية ولا يُشرك زملاءه أعضاء مجلس الإدارة في اتخاذ القرارات المناسبة.

رئيس المصرف المركزي فرع بنغازي علي الحبري قال إنّه طبع 20 مليار دينار ليبي، لكن تبيّن فيما بعد أنّ المبلغ الذي تمّ طبعه 30 مليارًا، أي عشرة مليارات دينار خارج السجلات الرسمية. وهناك 6.5 مليارات دينار تمت طباعتها في بريطانيا في عهد السراج ولم تُدرج في حسابات المركزي في طرابلس، وغير معروفة الوجهة، أي ما يعادل اليوم (نظرًا لارتفاع سعر صرف الدولار) نحو 26 مليار دينار. كما أنّ ما يقارب 70 بالمئة من قيمة الاعتمادات تمّت فيها المضاربة ولم تُستورد مقابلها بضائع، وحُوِّل فارق الدولار إلى الخارج.

وبناءً على تقرير دولي رسمي أعدّته شركة Deloitte بتكليف من الأمم المتحدة عام 2018، وعلى ما نشره موقع OCCRP وعدة مصادر ليبية ودولية موثوقة، فإنّ المبلغ الإجمالي للأموال المفقودة يبلغ نحو 37 مليار دينار ليبي. وما نلاحظه اليوم أنّ المحافظ الجديد ناجي عيسى (أكتوبر 2024) يسير على نفس نهج السيد الكبير.

إنّ انخفاض المعروض من النقود (السيولة) أدّى إلى المضاربة على الدينار (حرق الصكوك)، وهو ما يُعدّ جريمة بحق الوطن والمواطن، تبدأ بتجفيف مصادرها. إنّ دعوة المؤسسات العامة والخاصة إلى التعامل بالدفع الإلكتروني لن تحلّ الأزمة بين عشية وضحاها، فهناك حدٌّ أدنى من السيولة يجب أن يتوافر، لأننا حديثو عهد بالتجارة الإلكترونية.

عدم الثقة في القطاع المصرفي، الناتج عن شُح السيولة، جعل كبار التجار يدّخرون النقود بدلًا من إيداعها في المصارف التجارية، ما عطّل إنعاش الحركة الاقتصادية. أمّا الفارق الكبير بين سعر الصرف الرسمي والسوقي فهو نتيجة لعدم وجود سياسة سعر صرف مرنة.

ولذلك، وحفاظًا على سعر صرف جيد للدينار، نرى أنّ هناك ضرورة قصوى لضبط الإنفاق العام، خصوصًا الاعتمادات المخصّصة لاستيراد البضائع، والعمل على مراقبة الدخل العام، وتوحيد الميزانية، وتنويع مصادر الدخل.

فأين دور النائب العام في مثل هذه الجرائم الاقتصادية التي يدفع ثمنها المواطن البسيط؟