الترامبية تعود للمشهد

محمود مشارقة

لا يمكن المرور مرور الكرام على نتائج الانتخابات الأمريكية التي لم تكن خارج التوقعات رغم استطلاعات الرأي المضللة التي رسمت صورة لا تعكس التحولات والتناقضات وكذلك التجاذبات المجتمعية المتعاظمة في الولايات المتحدة .
لقد فشل الديمقراطيون في قيادة المشهد العالمي وحتى الداخلي خلال الأربع سنوات الماضية ، فدخل العالم في آتون مرحلة خطيرة من الاستقطابات والصراعات وتشكيل الأقطاب ونشوب الحروب، بداية من أوكرانيا إلى آسيا مرورا بأفريقيا وصولا إلى الشرق الأوسط وحرب غزة وامتداد تداعياتها إلى لبنان مع محاولة إيران إلى الاستمرار في احتلال أربع دول عربية تحت مسمى محور المقاومة .
الشق السياسي لتداعيات فوز ترامب واضحة للعيان لكن الشق الاقتصادي لا يقل أهمية فهو من قام بتحديد ملامح ساكن البيت الأبيض ، حيث عانى الأمريكيون والعالم من سياسات بايدن العوجاء والعرجاء التي تسببت في نشوب حروب ، فارتفع التضخم إلى مستويات قياسية وارتفعت الفائدة وطالت الفوضى أسواق السلع الأولية وأمن سلاسل الإمدادات .
ما يهمنا اليوم ليس تشخيص الأوضاع ولكن ماذا سيفعل ترامب في ولايته الجديدة وهل سيخرج من عباءة الحزب الجمهوري أو يكمل مشروعه السياسي والاقتصادي تحت شعار أمريكا أولا؟
باعتقادي الفائز في الانتخابات كان ترامب بشخصه وليس الحزب الجمهوري، فالناخبون صوتوا لشخصه وبراغماتيه الفريدة من نوعها ، فالرجل يحمل عقلية الصفقات ولا يأبه بتعميم النموذج الأمريكي على العالم ، ولا يرغب في الدخول في حروب دون أهداف اقتصادية تنعكس تداعياتها على المجتمع الأمريكي .
ما يهمنا علاقته مع الشرق الأوسط ، فهو يتعامل بلغة المصالح المتبادلة والتجارة التي تحمي بلاده واستمرار وديمومة اقتصاد أمريكا كأكبر اقتصاد في العالم .من هنا ستكون سياسته مدرسة وأكثر توازنا في علاقاته المستقبلية مع المنطقة وإدماج دولها في منظومة إقليمية لتبادل المصالح وقد صرح علنا أن يتطلع للتعامل مع السعودية لاحلال السلام في المنطقة ،
ترامب يعي قوة السياسة السعودية ودورها المحوري في قيادة العالم العربي والإسلامي سياسيا واقتصاديا بفضل رؤية الأمير محمد بن سلمان الثاقبة في تحويل المنطقة إلى أوروبا جديدة خالية من الحروب ، وهذا لن يمنح إسرائيل مساحة أكبر لعرقلة سياسات ترامب، مع التأكيد هنا أنه ليس معنيا بتكرار صفقة قرن جديدة ولا حتى بحل معضلة غياب حل شامل للقضية الفلسطينية دون مفاوضات جدية ، ولكن الرجل سيسعى لدعم التوافق الاقليمي وإيجاد شركاء في السلم وليس الحروب .
أما التعامل مع إيران فقد يشهد مزيدا من التشدد وربما إعادة العقوبات ما لم تتخذ طهران سياسة مختلفة عن سياساتها الحالية والتي تؤجج بؤر الصراع .
العلاقة مع أوروبا والصين والهند ستحمل شعار مصلحة أمريكا الاقتصادية أولا ، وما يتبعها من حمائية تجارية وسياسات ضريبية تحمي الصناعة والخدمات الأمريكية، من هنا نحن أمام مرحلة ترامبية متجددة على الفرقاء التعامل معها أو مواجهتها ، ولا حلول أو وصفة جاهزة لمستقبل السياسة والاقتصاد العالمي دون فهم وتسويات عملية تخرج العالم من حالة الاستقصاء القائمة.

شاهد أيضاً