السياسي – مع تصاعد دعوات ترحيل المهاجرين من ألمانيا، حتى لو باللجوء إلى القوة، وتوازياً مع موجة صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانيا، يعيش ملايين المهاجرين في البلاد حالة من القلق والترقب المستمر.
وتثير هذه الدعوات، احتجاجًا وجدلًا واسِعَيْن، إلى جانب القلق من نجاح اليمين الألماني بفرض رؤيته لملف الهجرة. كا تظهر تساؤلات عن طريقة تنفيذ مشروع الأحزاب المتطرفة الذي يقضي باستخدام القوة، “إذا لزم الأمر”.
ويتبنّى “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرّف، بقوة، هذا التوجه. لكن تنفيذ مشروعه يتعارض مع روح القانون الألماني.
وبحسب ما كشفه موقع “كوركتيف” الألماني المتخصص في التحقيقات الاستقصائية فقد جرى تداول الفكرة في الـ25 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي -بادِئ ذي بِدْء- من قبل نحو 20 شخصًا تجمعوا في فندق بالقرب من بوتسدام.
وهناك، ناقش أعضاء حزب “البديل من أجل ألمانيا”، وحزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، وهو منظمة شديدة المحافظة، بالإضافة إلى ممثلين عن “حركة الهوية”، تفاصيل المشروع الذي يقضي بترحيل نحو مليوني مهاجر “إلى بلد في شمال أفريقيا”.
وتسبب الاجتماع في حدوث “تسونامي سياسي في ألمانيا”، وفقًا لصحيفة “لاكروا” الفرنسية؛ بسبب أن هذه الخطة السرية تخطط لنقل ما يصل إلى مليونَي طالب لجوء، وكذلك الأجانب الذين يحملون تصاريح إقامة، والألمان “غير المندمجين” من أصل أجنبي، بالقوة، إذا لزم الأمر.
وشارك نحو 250 ألف شخص، السبت الماضي، في مظاهرات عمّت أرجاء ألمانيا احتجاجًا على الاجتماع السري، وما طرحه من فرضية لترحيل ملايين المهاجرين.
وخلال الاجتماع، أكد رئيس المجموعة البرلمانية لـ “حزب البديل من أجل ألمانيا” في برلمان محافظة “ساكسونيا أنهالت” – أحد معاقل الحزب– أهمية ما سمّاه “تمهيد الطريق” لهذا المشروع الذي يحتاج سنواتٍ لتنفيذه، عبر دعم وسائل التواصل الاجتماعي والضغط اليومي على الأشخاص المستهدفين.
ويمثّل تصوّر هؤلاء لمشروع الترحيل في “عودة قسرية إلى البلد الذي يفترض أن كل أجنبي قد جاء منه” ويتقاسم طالبو اللجوء والأجانب الذين لا يملكون تصاريح إقامة في ألمانيا القلق بشأن هذا المشروع الذي ينظر إليهم باعتبارهم “غير قابلين للاندماج”.
لكن الأمين العام للجنة دراسة العلاقات الفرنسية الألمانية إريك أندريه مارتان علّق في تصريحات لموقع “أتلانتيكو” الإخباري قائلاً إن “هذا المشروع يتناقض تمامًا مع القانون الألماني، ويتعارض مع مبادئ الاتفاقيات الدولية التي أصبحت ألمانيا طرفًا فيها، ويتعارض مع المبادئ المنصوص عليها في الدستور الألماني، وكذلك مع المبادئ القضائية لمحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، وبذلك فإن تنفيذ مثل هذا المشروع قد يكون مستحيلاً بموجب القانون الألماني والأوروبي”.
واعتبر مارتان أنّ “المشروع مثير للجدل بشكل خاص؛ لأنه بالنسبة للكثيرين يعيد ألمانيا إلى بعض المفاهيم الموجودة بالفعل في تاريخها والتي اعتقدنا أنها قد تم التخلص منها اليوم، إذ لم يكن أحدٌ يتصور أن ألمانيا الفدرالية الديمقراطية ستواجه مرة أخرى هذا النوع من النقاش، لذا، فإن هذا الوضع يولّد شكلاً من أشكال الصدمة، لا سيما في الوقت الذي يتمتع فيه حزب “البديل من أجل ألمانيا”، بقوة كبيرة، في استطلاعات الرأي على المستويين الفدرالي والإقليمي.
ومن المرجح أن يتولى حزب “البديل من أجل ألمانيا” مسؤوليات سياسية، على الأقل على المستوى المحلي، أي على مستوى المحافظة خلال الانتخابات الإقليمية في خريف عام 2024. ووفقًا لاستطلاعات الرأي يحظى الحزب بثقة 22 % من الناخبين.
وأكد الباحث الإستراتيجي الفرنسي أنّ “من الصعب مناقشة المفاهيم التي يستخدمها (المجتمعون في بوتسدام) بشكل أكثر دقة؛ إذ لا توجد وثيقة رسمية أو محضر مكتوب لهذا الاجتماع. لكن يبدو أنه قد يكون هناك بُعدٌ يتعلق بالأصل الجغرافي لبعض هؤلاء الأجانب، فضلًا عن سلوكهم المفترض بمجرد وصولهم إلى ألمانيا، خاصة فيما يتعلق باحترام النظام العام.”
وأضاف: “من الواضح، في ظل الظروف الراهنة، أن المواضيع التي يطورها حزب البديل من أجل ألمانيا اليوم ليست بالضبط تلك التي تم ذكرها خلال هذا الاجتماع السري” وبحسب رأيه “يركز الحزب على قضايا أخرى، بما في ذلك الحاجة إلى الأمن الاقتصادي، التي أعرب عنها المواطنون الألمان في مواجهة الركود الذي تعيشه البلاد، فضلاً عن المخاوف التي تُساور بعضهم بشأن الهجرة، والتي تعتبر بالغة الأهمية في الأعوام الأخيرة”.
ووفقًا لمارتان، وجبَ أيضًا استحضار السياق العام الذي ظهر فيه هذا الخطاب المتطرف، وهو عدم الرضا عن تصرفات التحالف الحاكم، ولذلك يبدو حزب “البديل من أجل ألمانيا” في نظر البعض بمثابة ناقل قادر على تجفيف السخط الذي يُعبّر عنه كلُّ الناخبين الشعبيين أو جزءٌ منهم.