اعداد: منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة – فلسطين
مقدمة
تواصل منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو أداء دورها الريادي في رصد وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية ضد التجمعات البدوية والريفية في مختلف محافظات الضفة الغربية، في إطار رسالتها الإنسانية والحقوقية الهادفة إلى حماية الوجود الفلسطيني في المناطق المهددة ومواجهة سياسات التهجير القسري والاستيطان.
من خلال طواقمها الميدانية المنتشرة في الميدان وشبكة واسعة من المتطوعين المحليين والباحثين الحقوقيين، عملت المنظمة طوال شهر أكتوبر 2025 على جمع المعلومات الموثقة من مواقع الأحداث، وتوثيق شهادات المتضررين، ومراجعة البلاغات المقدمة من السكان في القرى والبلدات المستهدفة.
تركزت جهود الرصد في التجمعات البدوية الواقعة شرق القدس، والأغوار الشمالية، ومناطق جنين وطوباس وسلفيت والخليل، إضافة إلى القرى الزراعية المحاذية للمستوطنات التي شهدت تصعيدا لاعتداءات المستوطنين خلال موسم قطف الزيتون.
وقد اعتمد التقرير في بياناته على زيارات ميدانية مباشرة، ومتابعة يومية من المراسلين الميدانيين، وتوثيق بصري للانتهاكات من خلال الصور والفيديوهات الميدانية، لضمان الدقة والمصداقية في عرض الوقائع.
يأتي هذا التقرير الشهري ضمن الجهود المتواصلة لمنظمة البيدر لتقديم صورة شاملة عن الواقع الإنساني المتدهور في المناطق المهددة بالاستيطان، وإبراز حجم الانتهاكات التي تطال المدنيين ومصادر رزقهم وأراضيهم الزراعية والرعوية، بما يسهم في دعم الجهود الحقوقية والإعلامية الرامية إلى منع تهجير المواطنين من أراضيهم ومحاسبة الاحتلال على جرائمه ضد المدنيين الفلسطينيين.
التوزيع الجغرافي للانتهاكات الإسرائيلية
شهدت محافظات الضفة الغربية خلال شهر أكتوبر 2025 تصعيدا واسعا في انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، استهدف مختلف مظاهر الحياة الفلسطينية، من هدم المنازل ومصادرة الممتلكات إلى الاعتداءات الجسدية وتوسع النشاط الاستيطاني، إضافة إلى الاعتداءات الممنهجة ضد قاطفي الزيتون والمزارعين.
وقد وثقت منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة ما مجموعه 384 انتهاكًا في محافظات الضفة الغربية، توزعت بنسب متفاوتة تعكس طبيعة الاستهداف المكاني والجغرافي الذي تنتهجه سلطات الاحتلال.
احتلت محافظة نابلس المرتبة الأولى بعدد 89 انتهاكا، ما يؤكد حجم الاستهداف المتكرر للقرى الواقعة جنوب وشرق المحافظة، خاصة تلك المحاذية للمستوطنات. تلتها محافظة رام الله والبيرة التي سجلت 84 انتهاكا، أغلبها اعتداءات للمستوطنين ضد المزارعين في موسم قطف الزيتون، إضافة إلى هدم منازل ومنع وصول إلى الأراضي الزراعية في التجمعات البدوية شرق المحافظة.
في المرتبة الثالثة جاءت محافظة الخليل بـ 43 انتهاكا، تركزت في المناطق الجنوبية والشرقية حيث يتركز الوجود الاستيطاني الكثيف. تلتها محافظة طوباس والأغوار الشمالية بـ 38 انتهاكا، عكست السياسة الإسرائيلية المستمرة في التضييق على التجمعات الرعوية والبدوية، خاصة عبر عمليات المصادرة والهدم.
أما محافظة سلفيت فقد سجل فيها 33 انتهاكا، معظمها متصل بالتوسع الاستيطاني وشق الطرق الالتفافية، بينما رصد في محافظة أريحا والأغوار 21 انتهاكا تمحورت حول طرد الرعاة ومصادرة الآليات الزراعية.
وفي محافظة القدس تم رصد 24 انتهاكا شملت عمليات هدم ومداهمة واعتداءات في الأحياء والبلدات المحيطة بالمدينة. أما قلقيلية فقد سجلت فيها 17 حالة، تمحورت حول تقييد حركة المزارعين ومصادرة الأراضي.
ووثقت منظمة البيدر 14 انتهاكا في بيت لحم، غالبيتها خلال موسم الزيتون، بينما سجل في طولكرم 12 انتهاكا و 9 انتهاكات في جنين، تركزت حول عمليات اقتحام واعتداءات على المزارعين.
أنواع الانتهاكات الإسرائيلية خلال شهر أكتوبر 2025
تنوعت الانتهاكات الإسرائيلية ضد سكان التجمعات البدوية والمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال شهر أكتوبر 2025، بين اعتداءات مباشرة على الأفراد والممتلكات وسياسات تهدف إلى التهجير القسري والاستيلاء على الأراضي. وقد أظهرت المعطيات الموثقة من منظمة البيدر أن الاحتلال لجأ إلى مجموعة من الأساليب المنهجية ضمن إطار متكامل لتقويض الوجود الفلسطيني، خاصة في المناطق الريفية والزراعية.
1. الاعتداءات ضد قاطفي الزيتون والمزارعين
كانت هذه الفئة الأكثر شيوعا خلال الشهر، حيث شهدت معظم المحافظات، خاصة رام الله، نابلس، سلفيت، بيت لحم، والخليل، اعتداءات متكررة على المزارعين أثناء موسم قطف الزيتون.
تنوعت هذه الانتهاكات بين منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، الاعتداء الجسدي واللفظي، سرقة محصول الزيتون، حرق المركبات والأراضي الزراعية، اقتلاع وقطع أشجار الزيتون، ومصادرة معدات القطف.
تشير هذه الأفعال إلى سياسة منظمة تستهدف إضعاف المزارعين اقتصاديا وثنيهم عن التمسك بأرضهم، وهو ما يشكل خرقا واضحا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تضمن حماية المدنيين وممتلكاتهم تحت الاحتلال.
2. الهدم والتجريف ومصادرة الممتلكات
نفذت قوات الاحتلال خلال الشهر عشرات عمليات الهدم للمنازل والمنشآت السكنية والزراعية في محافظات رام الله، القدس، الخليل، وطوباس، بذريعة عدم الترخيص أو وقوعها في المناطق المصنفة (C).
كما صادرت جرافات وآليات ومركبات تعود لمواطنين، إضافة إلى هدم بركسات وأكشاك زراعية تستخدم كمصدر رزق.
تركزت هذه العمليات في التجمعات البدوية والمناطق الرعوية، ما يعكس سياسة تطهير ممنهجة تهدف إلى تهجير السكان وإعادة تشكيل الجغرافيا الديموغرافية.
3. الاعتداءات الجسدية وإطلاق النار
وثق التقرير عشرات الحالات التي تعرض فيها المواطنون، بمن فيهم أطفال ونساء، للاعتداء الجسدي المباشر على أيدي الجنود والمستوطنين.
كما سجلت حوادث إطلاق نار حي ومباشر تجاه المدنيين، أدت إلى إصابات متفاوتة واستشهاد مواطن في إحدى قرى رام الله.
ترافقت هذه الاعتداءات مع أعمال ترهيب ممنهج وتهديد للمدنيين داخل منازلهم وأراضيهم الزراعية.
4. الاستيطان وشق الطرق الاستعمارية
رصدت منظمة البيدر نشاطا استيطانيا مكثفا تمثل في بناء وحدات استيطانية جديدة، نصب كرفانات، توسيع بؤر قائمة، وشق طرق التفافية في محافظات القدس، رام الله، سلفيت، وطوباس.
هذه الأنشطة تظهر بوضوح استمرار الاحتلال في فرض وقائع ميدانية جديدة تقوض إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتستهدف بالدرجة الأولى عزل التجمعات البدوية ومحاصرتها.
5. مصادرة الأراضي والموارد الطبيعية
شملت هذه الانتهاكات الاستيلاء على مساحات من الأراضي الزراعية والرعوية، وإغلاق محابس المياه كما حدث في قرية بيت عور الفوقا برام الله، إضافة إلى سرقة معدات وآليات زراعية.
يأتي ذلك ضمن سياسة تهدف إلى حرمان الفلسطينيين من مواردهم الطبيعية واستخدامها لخدمة المستوطنات القريبة.
6. تدمير الممتلكات وإحراق المركبات
سجلت عشرات الحالات التي أقدم فيها المستوطنون على حرق مركبات خاصة ومعدات زراعية وخلايا نحل، وتحطيم ألواح طاقة شمسية وخزانات مياه، خصوصا في محافظتي رام الله وبيت لحم.
تعد هذه الممارسات جزءا من حملة الترهيب الاقتصادي التي تهدف إلى ضرب البنية الإنتاجية للمجتمعات الريفية.
7. الاعتقالات والاحتجاز
نفذت قوات الاحتلال عمليات اعتقال واحتجاز ميداني بحق مواطنين، بينهم مزارعون وأطفال، خلال اقتحامات القرى والتجمعات البدوية، كما تم احتجاز متضامنين أجانب وصحفيين أثناء توثيقهم لاعتداءات المستوطنين في نابلس وطولكرم ورام الله.
خلاصة تحليلية
يؤكد المحامي حسن مليحات – المشرف العام لمنظمة البيدر على أن تحليل البيانات حول الانتهاكات الإسرائيلية خلال أكتوبر 2025 كانت ذات طابع مزدوج: ميداني واستيطاني؛ إذ تم الجمع بين العنف المباشر ضد الأفراد (خاصة المزارعين) وبين سياسات السيطرة الممنهجة على الأرض والموارد.
كما ويؤكد أن الاستهداف المتكرر لقاطفي الزيتون والمزارعين، والذي تجاوز 220 حالة، يبرز بوضوح أن موسم الزيتون تحول إلى موسم مواجهة مفتوحة بين الفلسطينيين والمستوطنين، في ظل غياب أي حماية دولية فعالة.
التوصيات
استنادًا إلى المعطيات الموثقة في تقرير منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو حول الانتهاكات الإسرائيلية خلال شهر أكتوبر 2025 في مختلف محافظات الضفة الغربية، والتي شملت أكثر من 384 انتهاكا ضد السكان المدنيين ومزارعي الزيتون والتجمعات البدوية، تقدم المنظمة التوصيات الآتية:
أولاً: على المستوى الوطني الفلسطيني
1. تعزيز الوجود الفلسطيني في المناطق المهددة، لا سيما التجمعات البدوية والقرى القريبة من المستوطنات، من خلال دعم صمود الأهالي بالمواد الأساسية والخدمات الحيوية.
2. تفعيل دور المؤسسات الرسمية والحقوقية الفلسطينية في توثيق الانتهاكات بشكل موحد ومنسق، وتشكيل قاعدة بيانات وطنية مشتركة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
3. توفير الحماية للمزارعين أثناء موسم قطف الزيتون، عبر تنظيم حملات تطوع وطنية ومرافقة ميدانية من قبل متضامنين ومتطوعين فلسطينيين ودوليين.
4. تعزيز الوعي القانوني لدى المواطنين حول حقوقهم وآليات التوثيق وتقديم الشكاوى في حال تعرضهم لاعتداءات من المستوطنين أو الجيش الإسرائيلي.
ثانياً: على المستوى الدولي والحقوقي
5. دعوة مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة إلى إرسال بعثات تقصي حقائق عاجلة لرصد الانتهاكات الإسرائيلية ضد المدنيين، خاصة في مناطق الأغوار والقدس ومحيط المستوطنات.
6. مطالبة المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي بالضغط على إسرائيل لوقف سياسات العقاب الجماعي، وهدم المنازل، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، وفتح تحقيقات في الجرائم الموثقة ضد قاطفي الزيتون.

7. تفعيل آليات المحاسبة الدولية من خلال إحالة ملفات الانتهاكات إلى المحكمة الجنائية الدولية ضمن إطار جرائم الحرب وجرائم التهجير القسري.
8. دعوة المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية لتكثيف تواجدها الميداني في المناطق الساخنة، وتقديم الدعم النفسي والمادي للعائلات المتضررة.
ثالثاً: على المستوى الإعلامي والمجتمعي
9. تعزيز التغطية الإعلامية المحلية والدولية للانتهاكات الإسرائيلية، عبر تسليط الضوء على قصص الضحايا والمزارعين المتضررين من هجمات المستوطنين ومنعهم من قطف الزيتون.
10. إطلاق حملات رقمية وميدانية توعوية حول أهمية توثيق الاعتداءات بالصوت والصورة، وحفظ الأدلة بما يخدم الجهود القانونية اللاحقة.
11. دعم مبادرات المجتمع المدني والجامعات الفلسطينية لإجراء دراسات تحليلية وميدانية حول أثر الانتهاكات على النسيج الاجتماعي والاقتصادي في القرى البدوية والزراعية
الخاتمة
تؤكد منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو التزامها الثابت بمواصلة الرصد الميداني والتوثيق الحقوقي لكافة الانتهاكات الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين في التجمعات البدوية والريفية في مختلف محافظات الضفة الغربية.
وتشدد المنظمة على أن استمرار هذه السياسات، المتمثلة في هدم المنازل، ومصادرة الأراضي، والاعتداء على المزارعين، ومنع الوصول إلى الأراضي الزراعية، يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة.
وتدعو المنظمة كافة الجهات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية لوقف هذه الانتهاكات المتصاعدة، ودعم صمود الأهالي في مواجهة سياسات التهجير والاستيطان






