التهجير «الناعم» و«القسري»

يونس السيد

بين التهجير «القسري» لفلسطينيي قطاع غزة الذي تطرحه خطة ترامب، وخطط التهجير الإسرائيلية «الناعمة»، تفادياً لرد الفعل الدولي وعدم الوقوع في فخ «جرائم الحرب» ثمة مساحة واسعة للعب على الكلمات، لكن النتيجة واحدة وهي التهجير.

بين التهجيرين «الترامبي» والإسرائيلي، ثمة نهجان مختلفان في الوسائل والأهداف، أحدهما يتعامل مع ترحيل جماعي لأكثر من مليوني فلسطيني بمنطق الصفقة العقارية، التي يراد تسويقها لطرف ثالث، بمعزل عن حقائق الانتماء والجغرافيا والتاريخ وحتى المشاعر الإنسانية. والثاني يعتقد أن الفرصة مؤاتية لتنفيذ إيديولوجيته القائمة على التهجير والاستيطان، لكنه يسعى للالتفاف على المجتمع الدولي والقوانين الدولية بالحديث عن «تهجير طوعي» أو ما يسميه «مغادرة طوعية» تقوم على توفير التسهيلات اللازمة لتشجيع هذه «المغادرة» عبر المعابر الحدودية وتخصيص مطارات وموانئ بحرية لتأمين مرور هؤلاء «العابرين» إلى دولة ثالثة.
لكن المجتمع الدولي سرعان ما فضح خطط «المغادرة الطوعية» باعتبارها عنواناً مضللاً للإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل بوسائل مختلفة. وهو ما دفع عشرات المنظمات الإنسانية الدولية العاملة إلى التحذير من أن سلاح التجويع ومنع إدخال المساعدات، بما في ذلك الغذاء والدواء والأجهزة الطبية، علاوة على الخيام والبيوت المتنقلة والمعدات الثقيلة وقطع المياه والكهرباء.. كلها تؤدي إلى القتل المتعمد، وتدفع نحو تعميق كارثة الإبادة. ومن الواضح أن إسرائيل تراهن على أن كل هذه الإجراءات الوحشية ستشكل دافعاً لتلك «المغادرة الطوعية» بعد أن يكون هؤلاء فقدوا كل مقومات الحياة البشرية.
لعل أخطر ما في موضوع التهجير، سواء كان «ناعماً» أو «قسرياً» أنه يتجاهل وجود شعب فلسطيني ينتمي إلى هذه الأرض وجذوره ضاربة عميقاً في رحم التاريخ، وله حقوق كرستها المواثيق الدولية، بينما يجري التعامل معه كمجموعات بشرية يمكن نقلها من مكان إلى آخر.

الأمر الآخر أنه يتعمد تغييب الحلول السياسية، مثل «حل الدولتين» أو حتى «صفقة القرن» التي طرحها ترامب في ولايته الأولى، وكانت تعطي الفلسطينيين دويلة شكلية هزيلة ومقطعة الأوصال وتحت الحماية الإسرائيلية على بعض إجزاء الضفة الغربية. وهنا لا عناء في إدراك أن انتفاء الصفة السياسية عن القضية الفلسطينية يعني السعي إلى تصفية هذه القضية، والتعامل مع الفلسطينيين كمجموعات منفصلة أو «جاليات» في دول مختلفة يتم النظر في تحسين حياتهم الاقتصادية.

لكن بالمقابل، لا يمكن إغفال الموقف العربي الرافض للتهجير الذي توج بتبني الخطة المصرية في القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة، مؤخراً، والتي تمثل بديلاً جدياً لخطة ترامب والأطماع الاستيطانية الإسرائيلية، وإن كانت تشكل خطوة أولى مهمة على طريق طويل لتثبيتها في هذا المجال.
لكن قبل هذا وذاك، لا يمكن إغفال موقف الشعب الفلسطيني الذي لم يرضخ للتهجير تحت قصف الطائرات والمدافع والدبابات، وازداد تمسكاً بأرضه ووطنه وحقه في العودة إلى الأماكن التي هُجّر منها بغض النظر عن كل محاولات التهجير.

الخليج الاماراتية

تابعنا عبر: