منذ تأسيسها قبل 76 عاما، قامت إسرائيل أو كانت طرفا في 15 حربا كبيرة ومتوسطة، بالاضافة الى حالة اشتباك متواصلة على الحدود طوال عقود وجودها. ما جعلني ان اختار هذا العنوان للمقال ليس فقط بما يتعلق بعدد الحروب والاشتباكات التي لا تكاد تتوقف، وانما هي تلك الاستطلاعات لرأي الشارع الإسرائيلي التي تجري منذ بداية الحرب الحالية والمستمرة منذ ثمانية أشهر وجميعا تشير وبشكل جارف إلى ان المجتمع الإسرائيلي يريد الاستمرار بالحرب وتوسيعها ايضا على الجبهة الشمالية مع لبنان. رغبة المجتمع الإسرائيلي بالحروب هي موجودة في معظم المراحل، لذلك علينا ان نبحث بالمناهج المدرسية في إسرائيل.
بدأت إسرائيل وجودها في المنطقة بحرب، اطلقت عليها “حرب الاستقلال” وليس صحيحا ان حرب العام 1948 بدأت فقط مع دخول الجيوش العربية الى فلسطين في منتصف شهر ايار/ مايو من ذلك العام، انما بدأت بالتدريج منذ كانون الاول/ ديسمبر 1947 بعد أيام من صدور قرار تقسيم فلسطين. تلك الحرب كانت بمثابة عملية تطهير عرقي واسعة وممنهجة
قامت بها العصابات الصهيونية ونفذتها بالتسلسل، بدءا من طبريا ثم صفد وبعد ذلك حيفا ويافا وعكا، كما تم تطهير العشرات من القرى والبلدات عبر تنفيذ مجموعة من المذابح الممنهجة، كل ذلك حدث قبل ان تدخل الجيوش العربية بدعوى إنقاذ فلسطين.
الحرب الرسمية بدأت في 16 أيار/ مايو عام 1948 وانتهت في مطلع صيف العام 1949، وكانت نتيجتها استشهاد 15 ألف فلسطيني، وهو رقم كبير بالقياس لعدد السكان، كما جرح عشرات الآلاف، ودمرت ومسحت عن الأرض 513 قرية وبلدة فلسطينية، وشردت 800 ألف فلسطيني وكانت النتيجة تأسيس إسرائيل عبر هذا الدم والخراب والدمار على حساب الشعب الفلسطيني.
وقبل ان تنشب الحرب الثانية الكبيرة، التي اطلق عليها “حرب السويس” عام 1956، لم تهدأ الحدود فقد ارتكبت إسرائيل بقيادة شارون مذبحة قبية في الضفة الغربية عام 1953، كما لم تهدأ الحدود مع قطاع غزة الذي أصبح من مسؤولية الادارة المصرية، وكذلك الجبهة مع سورية ولبنان.
في حرب العام 1956 احتلت إسرائيل، التي كانت جزءا من تحالف ثلاثي الى جانب بريطانيا وفرنسا، قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وصولا الى الضفة الشرقية من قناة السويس، كما احتلت القوات البريطانية والفرنسية الضفة الغربية، ولكن أسياد النظام الدولي الجدد بعد الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، اجبروا المعتدين على الانسحاب الى جانب مقاومة الشعب المصري بالطبع.
وتأتي حرب حزيران/ يونيو العام 1967، التي جرت في مثل هذه الايام قبل 57 عاما، والتي تطلق عليها إسرائيل “حرب الأيام الستة”، وفي هذه الحرب الخاطفة حققت فيها إسرائيل انتصارا سريعا وكبيرا، خلال ستة ايام واحتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن، وهضبة الجولان من سورية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر ووقف جيشها مرة أخرى على الضفة الشرقية لقناة السويس.
وفي العام 1969 وبعد ان اشتد عود الجيش المصري مجددا بدأت حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، والتي استمرت من آذار/ مارس 1969 وحتى آب/ أغسطس عام 1970، وكانت بموازاتها تجري اشتباكات على الجبهة الأردنية بين الفدائيين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي عبر نهر الأردن، وبرزت ضمن تلك الاشتباكات معركة الكرامة في 21 آذار/ مارس 1968.
أما حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 فقد بدأها العرب، مصر وسورية، والتي نجح العرب خلالها، وللمرة الاولى، في خلق نوع من التوازن النسبي، وهي الحرب التي فتحت الباب امام التسويات السلمية مع إسرائيل. وفي آذار/ مارس عام 1978 شنت إسرائيل حربا على جنوب لبنان، اطلق عليها “عملية الليطاني” وانتهت باحتلال إسرائيل شريطا حدوديا ونشأت هناك بدعم منها دويلة سعد حداد وهو ضابط سابق في الجيش اللبناني.
لم تتوقف حروب إسرائيل كثيرا فقامت باجتياح لبنان وصولا الى بيروت في صيف العام 1982، وأطلقت عليها اسم “اصبع الجليل” واستمرت 88 يوما، حاصرت خلالها قوات منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبناتية، وانتهت بخروج قوات المنظمة من بيروت. قبل هذه الحرب وبعدها لم تتوقف الاشتباكات بين قوات الثورة الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية وإسرائيل.
بعد ذلك بدأت سلسلة حروب ومعارك على حدود لبنان الجنوبية، عام 1994، والعام 1996. التي جرت خلالها مذبحة قانا، وتوجت هذه المعارك المحدودة على الجبهة اللبنانية في حرب تموز/ يوليو العام 2006. ولكن وخلال تلك المرحلة قامت إسرائيل بتنفيذ عملية “السور الواقي” في عام 2002 ابان الانتفاضة الفلسطينية الثانية، اعادت خلالها احتلال الضفة الغربية، ومن ابرز معاركها معركة مخيم جنين.
وما ساد الهدوء على الجبهة اللبنانية، حتى بدأت حروب إسرائيل على قطاع غزة، والتي بدأت في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009، ومن ثم على التوالي، 2912، 2014، 2919، 2021، 2022، وأخيرا الحرب التي تجري الآن، بعد السابع من اكتوبر 2023، خلال الحرب المذكورة قامت إسرائيل بتدمير قطاع غزة، وقتلت أكثر من أربعين ألف مواطن فلسطيني جلهم من الأطفال والنساء، وما يقارب 100 ألف جريح.
السؤال المهم: لماذا قامت إسرائيل بكل هذه الحروب، لماذا يمكن اعتبار إسرائيل دولة حرب وتوسع؟ الدولة العبرية هي الدولة الوحيدة التي لم ترسم حدودها، صحيح انه بعد اتفاقات السلام مع مصر والأردن تم رسم الحدود ولكن هذا لم يحدث في الضفة الغربية، والاستيطان والتهويد مستمران، المشروع الصهيوني المؤسس لدولة إسرائيل هو مشروع توسعي يستمد توسعته من جغرافيا التوراة التي لم يثبت علم التاريخ والآثار صحتها. كما ان إسرائيل بالمعنى الاستعماري هي دولة وظيفية وجودها يجب ان يتضمن تهديدا مستمرا لجيرانها، وفي منطقة تعتبر المخزن الأهم للطاقة، والموقع الأهم استراتيجيا.