يوم السبت الماضي، الأول من فبراير الجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتزامَه فرضَ رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على معظم المنتجات التي تصدّرها كل من المكسيك، وكندا إلى الولايات المتحدة، ورسوم جمركية أخرى بنسبة 10 في المئة على الواردات من الصين.
أما السبب وراء هذا القرار المفاجئ، فهو الاعتقاد بأن البلدان الثلاثة تساهم بطرق مختلفة في ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون الولايات المتحدة، وفي تهريب مخدّر «الفنتانيل» القاتل الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الأميركيين، خلال السنوات القليلة الماضية. ردود الفعل على هذه الإعلانات المفاجئة جاءت سريعاً واتسمت بالتحدي، وخاصةً من جانب المكسيك وكندا، حيث أعلن كل منهما عن فرض رسوم جمركية على المنتجات الأميركية.
وفي مدينة تورونتو، كان فريق الهوكي المحلي يلعب ضد فريق «لوس أنجلوس كليبرز»، وحينما عُزف النشيد الوطني الأميركي، أطلق الجمهور التصفير وصيحات الاستهجان. ومن جانبها، كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال»، المحافظة المملوكة لروبرت مردوخ، في افتتاحية لها، أن مقترحات ترامب هي «أغبى حرب تجارية في التاريخ». وبحلول يوم الاثنين، الثالث من شهر فبراير الجاري، كانت الأسواق المالية العالمية في حالة اضطراب.
وفي لحظة من اللحظات، انخفض مؤشر «داو جونز الصناعي» 660 نقطة، أي بنسبة 1.5 في المئة من قيمته. وفي اليوم نفسه، توصل ترامب إلى اتفاق مع رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو على تأجيل تطبيق الرسوم الجمركية لمدة 30 يوماً، مقابل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من قبل بلديهما فيما يتعلق بحماية الحدود الأميركية. ونتيجة لذلك، تعافت الأسواق المالية وأُجلت الأزمة. أنصار ترامب يعتقدون أنه باستخدام تكتيكات «الصدمة والترويع» هذه تمكنت الولايات المتحدة من إقناع جيرانها بأنها جادة في وقف الهجرة غير الشرعية.
وبالمقابل، يرى المنتقدون أن مثل هذه التكتيكات يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة فتتسبب في الفوضى، وتضر بالعلاقات مع جيران مهمين. ومما لا شك فيه أن بعض تهديدات ترامب الأخرى ضد الحلفاء كانت ناجحة وفعالة.
فإصراره على ضرورة أن تزيد الدول الأعضاء في حلف «الناتو» من ميزانياتها الدفاعية كان موضوعاً حاضراً بقوة خلال إدارته الأولى وكان ناجحاً وفعالا. ذلك أن معظم حلفاء الولايات المتحدة ينفقون الآن ما لا يقل عن 2 في المئة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع. والآن، يريدهم ترامب أن يرفعوا تلك النسبة إلى 5 في المئة، وهو ما لن يحدث إلا إذا تدهور الوضع الأمني في أوروبا، غير أنهم من المرجح أن ينفقوا أكثر من ذلك، وخاصة إذا ما استمرت المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
أما ما إن كان ذلك سيكون كافياً للسماح لأوكرانيا بالدفاع عن أراضيها أمام التقدم الروسي البطيء والمطرد في آن واحد، فذاك أمر لن يتضح قبل الربيع القادم.
غير أن ترامب قد ينجح في الضغط على الحلفاء أكثر من الخصوم. والحال أن التحدي الأكبر الذي يواجهه هو ذاك المتعلق بالصين. فالصين أكبر وأغنى من أن تُضعفها الرسوم الجمركية والعقوبات الأميركية بشكل حقيقي، لكنها قد تتأثر بضغوط ترامب لو تصرف بالتعاون مع الدول الآسيوية الرئيسة التي لا توافق أيضاً على بعض سياسات الصين التجارية وبعض أنشطتها العسكري. وهذا قد يشمل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وإندونيسيا وفيتنام والفلبين والهند. وحتى يستطيع ترامب تنظيم ضغط اقتصادي منسق على الصين، سيكون عليه الانخراط في دبلوماسية قائمة على التعاون، ومواصلة التعاون الأمني الوثيق الذي تمت رعايته على مدى عقود. لكن بدلاً من ذلك، يطالب ترامب كلاً من كوريا الجنوبية واليابان بزيادة إنفاقهما الدفاعي، وتغطية مزيد من تكاليف إبقاء القوات الأميركية على أراضيهما.
والواقع أن الخلافات حول تقاسم التكاليف ليست جديدة، غير أنها كانت تُحل في الماضي عن طريق التفاوض دون اللجوء إلى التهديد بانسحاب عسكري أميركي. ومكمن الخطر هو أنه إذا استمر ترامب في التقليل من شأن أقرب حلفاء أميركا في آسيا، فإن ثقتهم في جدوى الضمانات الأمنية الأميركية ستضعف، وقد يدفعهم ذلك إلى السعي في نهاية المطاف إلى إبرام اتفاقات مع الصين التي تواصل تعزيز وجودها العسكري عبر آسيا وأماكن أخرى. ونتيجة لذلك، باتت الصين تتمتع الآن بوجود قوي في أفريقيا، وبعلاقات وثيقة متزايدة مع العديد من دول أميركا اللاتينية التي تغضبها أيضاً تكتيكات الضغط والإكراه الأميركية.
* نقلا عن “الاتحاد”