عجز أهل غزة من حلول الدنيا ودبلوماسية العهر العالمية، وتدني مستوى أخلاق العالم إلى الحضيض، وعدم امتلاك المنظمات والهيئات والحكومات الدولية لذرة واحدة من الإنسانية، والموقف المتفرج من جميع الدول، عربية وأجنبية، لما يحصل في القطاع من مسلسل قتل يومي متواصل، تقوم به إسرائيل التي ترتكب الجريمة تلو الجريمة، والمجزرة بعد المجزرة، في مشهد من القسوة والصعوبة، حيث لا يمكن للكلمات أن تعطي توصيفاً حقيقياً لما يدور في هذا الهجوم البربري الفاشي الذي لم تشهد له الكرة الأرضية مثيلاً، ولا يزال البعض يراهن على مفاوضات والقتلى والشهداء يومياً بالمئات، ولا يزال البعض يتأمل أن تثمر الجولات الدبلوماسية، والمستشفيات لم يعد فيها أماكن لعلاج آلاف المصابين، وفي الوقت الذي يعتقد فيه البعض واهماً أن صفقة التبادل التي تكرر لفظها في الأخبار عشرات آلاف المرات، سترفع الظلم عن القطاع، أو تنهي العدوان، فهو حالم يعيش في خيال من الأساطير والمعجزات.
لا توجد كلمات لوصف المشهد، فجميعها استخدمت من حرب وإبادة ومجازر وجرائم وعدوان وقصف وهجوم وطيران ومدافع تطلق القذائف على كل مكان وطائرات وصواريخ ومُسيرات ترصد حركة النازحين وتقتلهم في الطرقات، في محاولة لتطهير القطاع من شماله، ومواصلة ضرب وقتل وتدمير وسطه، وحصار جنوبه وتجويع كل الناس الذين يبحثون عن شربة ماء، أو حساء ساخن، أو دواء نافع للاطمئنان على فلذات أكبادهم، الأطفال الصغار، الذين لم يعد بمقدورهم التمييز بين الليل والنهار، فغزة في ظلام دامس، والخيام مهترئة والبرد مصيبة كبرى أمام كبار السن والصغار، والقماش أصبح حفاضات للأطفال.
أي حال هذا الذي وصل إليه أهل قطاع غزة، وسط مسلسل القتل اليومي الذي تختار فيه إسرائيل أهدافاً عشوائية داخل خيام النازحين ومراكز الإيواء، فتقصف بعنف وتشن غارات عديدة، تهدف من خلالها لقتل الأبرياء، وتتكرر أسطوانة المسلسل يومياً.
هذا الوضع دفع النازحين للبحث عن حلول من عند رب السماء، حيث تناجي سيدة نازحة من بيت لاهيا، وحولها أطفالها وفي يديها ما تيسر من لباس وحقائب وهي تبكي، رب السماء بان يحقق المعجزة ويحلها من عنده، وتتبعها سيدة أخرى تقوم بجر عربة محملة بملابس وتصرخ لعدم وجود مياه شرب لأطفالها، وتمر طفلة وتتحدث أمام الكاميرا حول ما جرى من استهداف إسرائيلي في بيت لاهيا وإلقاء القذائف من الطيران، على خيام النازحين، وتتبعها سيدة أخرى وآثار إصابتها برأسها ظاهرة للعيان.
يتواصل المشهد، وتأتي الصورة الجماعية لأفواج النازحين ومشهد الدخان، وصوت الطيران، ورائحة الموت التي تنبعث من كل مكان، فهذه حاجة تركب الحنطور ويجر الحصان طفلها الصغير، ومسن كبير لا يعرف التدبير ويسير مثقلا من التعب وربما الأمراض، ويختتم طفل ذو جبهة سمراء المشهد القاسي، ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل، ما في حل إلا من عند رب العباد.
نعم، عجزت غزة عن ايجاد حلول دنيوية، وأهلها لم يعد لديهم أمل إلا برب السماء، لإنقاذهم من هذه الأوضاع المأساوية التي تفرض عليهم حياة قاسية وصعبة لم يسبق لها مثيل في التاريخ.