تعمد بعض الفضائيات والمواقع العربية الى استخدام شريط “الخبر العاجل” للترويج لأفكار أوأخبار أو مواقف غالبًا ما يثبت عدم دقتها أو حتى كذبها، ولكن شريط الاخبار العاجلة أو”وردنا للتو” –وما يلحقه من تحاليل-لا يتوقف! لما له من أهمية في التأثير على المشاهدين، وجذبهم للتسمّر على شاشات الرائي (التلفزة) فتحوز الفضائية هذه أو تلك الرضا وتصبح “معبودة الجماهير”!؟
شريط الخبر العاجل كثيرًا ما يكون فاسدًا بأخباره، ونقولاته، لأنها تتلقف الخبر في بدايته وهو غير المكتمل أوغير الناضج أو حتى المكذوب وكل ذلك لا يهم! فالمشاهد الغافل-خاصة البعيد عن موطن الحدث- والمُدمن وغير الواعي (الذي أغلق دماغه وتقوقع حول رغباته وآماله وأحلامه، وسيّج أفكاره وأجّرعقله للغير) تتعلق عيناهُ بالخبر فتنفرج أساريره أو تنقبض وفقًا للخبر لينقل لأصدقائه أو زوجه أو الأقران الخبر قبل غيره!؟ هل رأيتم الخبر العاجل الفلاني؟ معقول، صحيح، نعم، فعلًا! لقد نقلته القناة الفلانية. وهكذا ما يرفع من حجم النشاط أو يقلّص حجم النحيب أو يزيد الألم أو الأمل حسب الرغبة!
شريطُ الخبر العاجل، ثم ما يتبعه من أخبار مريضة وتحاليل! أصبح لعدد من الفضائيات التهييجية التجييشية التضليلية بابًا يُفتح لتكثيف عدد المتابعين فقط! فتتفاخر الفضائية الفلانية أو زميلتها بالأعداد المتكالبة على تناول الخبر مع قهوة الصباح، أو مع شاي العصر أو ضمن وجبة المساء فيما المعنيّين بالخبر-أمثال شعبنا العربي الفلسطيني الصابر الصامد المُتكالَب عليه- هم في خبر كان!
لا تخجل الفضائيات المُضلِلة من تعميم التضليل. لأن القاعدة الرئيسة هي التأثير –حتى لو كان الخبر كاذبًا أو مؤقتًا-والجذبُ حتى لوكان المجذوبون قطيعًا، والقطيع هو المحبب بالطبع لديهم وحتى لو كان الخبر بعد دقائق قليلة أو في محطة أخرى سيثبت كذبه! لأن الناس تنسي، فلا تعوّلوا على ذاكرتهم كثيرًا… واستمروا بطوفان الأكاذيب رغم شمس الحقيقة الساطعة!
فن الإخفاء للخبر كما هو فن الإظهار متكاملان. فمتى ما كان المطلوب إبرازه تختفي كل الأخبار الناقدة والمخالفة حتى الصحيحة منها كضوء الشمس، ومتى ما كان المطلوب إخفاؤه تتعملق الأخبار المناقضة وكأن الخبر العاجل –ثم لاحقًا التحليلي-لم يكن أصلًا!؟
لا يوجد قناة إعلامية تتسم بما تقوله عن نفسها من (مهنية أو مصداقية أو موضوعية) فالمصداقية محدودة عندها فيما يتم إبرازه ولو بتضخيم مخلّ، والمهنية تتجلى فقط بعدد المراسلين المأمورين ليقولوا ما يتوافق مع نهج القناة وسياسة النظام السياسي الراعي، أما الموضوعية فحدّث ولا حرج حيث السياسة أو الموقف السياسي للراعي هو الراجح وما يخالفه يُعرض ببُغض او تحقير مقصود أو يتم إخفاؤه وشطبه!
جيوش من العاملين بالاعلام يحترمون وظيفتهم بلا شك، وجيوش أمثالهم يهينونها يوميًا حين ينصاعون لسياسة القناة الهادفة لغير ما يفترضه المشاهد أي نقل الواقع والحقيقة.
لماذا تتسابق الفضائيات لنقل الخبر؟ وفي حالتنا الخبر الفلسطيني وخاصة السيء منه؟ ونقول:
تتسابق الفضائيات الإخبارية ليس حبًا في فلسطين أو أهلها (أنظرأيضًا أخبار لبنان، والسودان وليبيا واليمن…الخ) وإنما استغلالًا لكارثة أو نكبة تجعل من الآلة الاعلامية الاستهلاكية لا تتوقف فيتحدث المحلّلون وينقل المراسلون…الخ، وتلمع الشاشات بالمذيعين والمنشطين المؤدلجين غير الموضوعيين، ولا يتوقف شريط الكذب السريع والعاجل والمفاجيء عن الطنين كما حال آلات البرق (التلكس) قديمًا، فتدبّ الحياة الصحفية في العروق الباردة لتنقل خبر القتل أو الموت أو المذبحة أو التطهير العرقي ببرود عز مثيله!
لا تنقل الفضائيات الأخبارية المنتكسة نكبة فلسطين اليومية حبًا في فلسطين أو أهلها، وإنما تأييدًا لمموّل المحطة وسياسة الدولة التي تحتضنها، بمعنى أن الهدف الأكبر هو تبييض صفحة من وقفوا مع العدو يدعمونه بكافة السُبُل المالية والأمنية وحتى الثقافية والتعليمية والدينية والسياسية والسياحية…، ويغمضون بالأخبار التهييجية والتضخيمية عيون المشاهدين، أو ضمن سراطية (استراتيجية) الإخفاء والإبراز حيث يوجهون المشاهد الغافل لما يريدونه ويخفون الحقائق وراء ذلك.
الخبر العاجل كما الأخبار المزيفة تجارة إعلامية وتواصلية ثمينة حيث يستطيع أتباع الباطل تصوير أنفسهم أنبياء، وهم بالرذالة منغمسون حتى آذانهم، وتصوير مَن يريدون كذلك ويستحقرون الفضيلة مهما كبُرت من مخالفيهم فهي بلا قيم أو لم تكن أصلًا مما تفعله أكاذيب الموقف والموقف المخالف!
إن فضائيات ومواقع التواصل المأمورة أو المأجورة أو الذنبية (ذنب لجماعة أو دولة) تستخدم وسيلة التعظيم والتفخيم والنفخ مقابل التقزيم والمسخ. ففي حالة التعظيم يتم صنع بطولة من لاشيء!؟ وعظمة من قليل، وقد يتم استخدام ثنائية البطولة من لاشيء مع المأساة العظمى بشكل متفوق، فيتعاطف الغافل المتعاطِف مع الثانية ويذرف الدمع مدرارًا، ثم ينقلب ليصفق للبطولة الموهومة فيكون قد أدّى ما عليه (ذرف الدمع، وشجّع البطولة). وبالثالثة تم تعميته عن حقيقة الهدف وعن دور المحطة المنتكسة أو ممولها بدعم العدو وحليفه الذي ب(الترليونات) يعيش وبها وبالمشاهدين الأغبياء تنمو قرونه.
لا تتصور حجم الألم الفظيع والضيق المريع والحزن القاتل الذي قد يصيب منكوبة أومنكوب فلسطيني في غزة أو جنين او خانيونس أو الخليل أورام الله أو رفح عندما يقرأ أو يشاهد أويسمع خبرًا عاجلًا يبشّر بانفراجة! وحلّ! مرتقب ومأمول! ليشكل نهاية للنكبة أوالبائقة التي يعيشها! وهو بتحليل بسيط لواقع الحال المرئي صفر!؟ ولا تتصور حجم الأمل الذي يتعاظم ثم سرعان ما يخبو لمجرد الاعلان –خبر عاجل-عن اتفاق ما سرعان ما يثبت كذبه، وفي كل هذا تتابع الفضائية المنتكسة عملها، وكأنها لم تفعل شيئًا مريعًا!؟ ويتحطم الانسان والمواطن الفلسطيني شظايا حقيقية ونفسية. ولامن يفكر بالفلسطيني المطحون أوالمقتول أوالمتألم المحزون قط! الا ابن جلدته والأحرار بالأمة والعالم. ورحم الله محمود درويش حين قال “وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ [لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ]، وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ، [لا تنس شعب الخيامْ]. وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ [ ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيِّزًا للمنام]”، أبيات جليلة انطبقت خير انطباق على شعبنا وتخصيصَا فلسطينيي قطاع غزة حرفيًا.
