الخطة الترامبية – خطةٌ لإقصاء الفلسطينيين وفرض الوصاية عليهم

السياسي – أكد موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أن المسودة المسربة عن “السلطة الانتقالية الدولية لغزة” — أو ما يمكن تسميته “مشروع جيتا” — لا تمثّل مبادرة إنسانية ولا خارطة طريق للسلام، بل تجسيدٌ عملي لمنطقٍ استعماري جديد: استبعادُ الشعب الفلسطيني كفاعلٍ سياسي، واستبدالُ حقّه في تقرير المصير بهيكلٍ هرمي تقوده نخبة مالية وعقائدية عالمية، مع دورٍ شكليٍّ أو تقييديٍّ للفلسطينيين في الأسفل.

وأبرز الموقع أن ما يُقدمه توني بلير هنا ليس اقتراح إدارة ما بعد الحرب، بل مقترح لاحتواء القضية الفلسطينية داخل إطارٍ تجاري وأمني يحوّل الضحية إلى مشروع إداري ـ استثماري.

-هيمنة رأس المال على السياسة

بحسب الموقع أن يصبح المجلس الأعلى المتحكّم في غزة “مجلسًا دوليًا” يضمّ مليارديرات ورجال أعمال كمدبّرين للسياسات العامة يعني أن الموارد، القرارات، وحتى معايير الشرعية ستُقَرَّ بمؤشرات ربحية ومصالح سوقية قبل أن تُقاس بحقوق الإنسان أو العدالة.

الأسماء المرشّحة — مستثمرون كبار وشخصيات تملك علاقات استراتيجية مع واشنطن وتل أبيب — تُظهر بوضوح أن الهدف ليس إعادة بناء مجتمع حرّ، بل خلق بيئة اقتصادية قابلة للاستثمار تُدار من خارجها.

بموازاة ذلك فإن هيكل الهرم الإداري يعكس تهميشًا ممنهجًا للفلسطينيين. السلطة التنفيذية الفلسطينية التي وُضعت في قعر الرسم التنظيمي تُمنح صلاحيات شكلية وتُعيَّن قياداتها بقرارٍ خارجي.

أما الوظائف الحيوية: المعابر، الأمن، المنصات الرقمية، سياسات الاستثمار والتخطيط، فتبقى في قبضة “الجيّتا”. هذه صيغةٌ تقنّن إلغاء السيادة: تحويلٌ لإدارة شؤون الناس إلى عقود وتعليمات إدارية تضمن إخضاع الواقع اليومي للمصالح الأجنبية.

إلى جانب ذلك فإن أداة الأمن كقوة تنفيذية مستقلة تعني أنّ “الاستقرار” سيُفرض بقوة السلاح، لا بتوافق شعبي.

إذ أن ما تُسميه الخطة “قوة أمنية دولية” وعمليات “منع عودة الجماعات المسلحة” يفتح الباب أمام تجنيد قوى أمنية تُدار بمعايير استخباراتية أجنبية، تُشرعن عمليات استهدافٍ سياسي واجتماعي، وتُحرم الفضاء الوطني من آليات الدفاع والحوكمة المحلية. هذا ليس حفظًا للأمن بقدر ما هو تصفيةٌ لأي منطق مقاوم أو صوت معارض للاحتلال.

-فرض عقلية الشركات

قال الموقع إن وضع سجلات الهوية والتصاريح على “منصات رقمية” تحت إشراف هيئات غير فلسطينية يعني إخضاع حركة الناس والعمل والملكية لآليات تقنية قابلة للسيطرة والتلاعب. هذا ليس تحصينًا للدولة، بل إنشاء نظم تحكّم جديدة تسهّل التحكم في السكان والاقتصاد.

فضلا عن ذلك فإن السياسة الدولية التي تُسميها الوثيقة “توافقًا دوليًا” في الواقع تُحوّل القرار السياسي إلى لعبة مصالح بين عواصم تمنح شرعيةَ لمن يخدم أهدافها.

أن تكون مصادقة مجلس الأمن شرطًا يجعل المشروع رهينًا بالمناورات الدبلوماسية والصفقات الجيوسياسية، لا مساءلة قانونية عن الجرائم الماضية ولا ضمانات حقيقية للحقوق المستقبلية.

كما أن توني بلير نفسه ليس مرشحًا محايدًا؛ فتاريخ تدخله في سياسات الشرق الأوسط، وتواصله مع أنظمة وسياسات مثيرة للجدل، ونمط حكمه الذي فضّل شراكات القطاعين العام والخاص على الحوكمة الشعبية، كلها عوامل تزيد من مبرر الرفض.

وأن يُقدّم من قاد سياساتٍ أثارت حروبًا وتهمت بالتصادم مع مبادئ السيادة كمخطط لإدارة غزة هو سخرية من العدالة وعنجهية سياسية بامتياز.

وعليه فإن هذه الخطة، إن نُفّذت، لا تعيد غزة إلى أهلها بل تحولها إلى منصّة لفرض نظامٍ استعماري جديد ــ أكثر مراوغة من الاحتلال التقليدي، لكنه أخطر لأنه قانونيّ الشكل ومؤسّسيّ الجوهر.

والرد الوطني والدولي يجب أن يكون حاسمًا برفض أي إدارة تُحرم الفلسطينيين من دورهم في صياغة مستقبلهم، رفض وصايةٍ مالية وأمنية تُغطّيها شعارات الإعمار، والمطالبة بآليات محاسبة دولية فاعلة وإنهاء الاحتلال حقًا لا مؤقتًا.

وخلص الموقع إلى ضرورة إعلان موقفٍ موحّد يرفض “جيّتا” كآلية شرعية، ويُطالب ببدائل حقيقية تقوم على: سيادة فلسطينية كاملة على أراضيها، إشراف دولي يضمن المساءلة وليس الوصاية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بلا شروط مسبقة. أي مشروعٍ خلاف ذلك سيكون مجرد إعادة تدوير للاحتلال بلونٍ آخر.