الخلافات داخل حماس..الصراع ينهش تيار الصقور بغزة!!.. الجزء الخامس

بقلم: علاء مطر

الحقيقة التي لم تستطع حركة حماس أن تغطيها بغربال، أن الأزمة داخل الحركة لم تعد مجرد خلاف في وجهات النظر مثلما كان في البداية، بل أصبحت صراع أدوار وصلاحيات ونفوذ وصراع على “الكرسي” أيضا، يتخفى أصحابها خلف شعار “الوحدة التنظيمية” فيما تُنهش الحركة من الداخل بصمت قاتل.

لم تعد المشكلة في وجود اختلاف وانشقاق مع جماعة “البراغماتيين” بقيادة خالد مشعل، بل تشعبت الخلافات لتصل إلى “جماعة جباليا” -مثلما يطلق عليهم مشعل وجماعته- حتى وصل إلى أن كل دور داخل الحركة يعمل بمعزل عن الآخر، وكأننا أمام جزر منفصلة لا حركة إدارية منظمة، مثلما كانت سابقا.

لنأخذ الدائرة السياسية للحركة في شمال قطاع غزة على سبيل المثال لا الحصر في هذا المقال، فبينما كانت الحركة تتحدث بلغة عالية السقف عن الوحدة التنظيمية، وتأكيد قياداتها في الخارج والناطقين باسمها في الداخل عن وحدة الحركة، عبر البيانات المتكررة والتصريحات التي لا تخلو من موقع الدفاع فقط عن التسريبات التي لا تتوقف، كانت الخلافات تنخر الحركة بشكل كبير، وغير مألوف لأبنائها وقاعدتها الشعبية.

مؤخرا، كشفت صحيفة قطرية، أن الحركة قد أتمت ترتيب أمورها الداخلية، وأعلنت عن إشغال جميع المناصب الشاغرة بسبب الحرب، من المكتب السياسي في القطاع، مرورا بالمؤسسات الداخلية، وليس انتهاء بالمناصب في المجلس العسكري للقسام، لكن المصدر ذاته لم يكشف عن الخلافات التي وقعت ولا زالت قائمة على المناصب الفارغة، فمثلا منصب رئيس الدائرة السياسية للحركة في شمال غزة، وفي مدينة غزة وباقي المناطق، لم يتم حسم الشخصيات التي ستكون في هذه المناصب حتى الآن، وذلك بسبب خلافات على الأسماء المرشحة لهذه المناصب.

وحسب مصادر خاصة سأنشر ما حدث في شمال قطاع غزة، حيث وقع شرخ كبير بين القاعدة التنظيمية للحركة من “اخوان ونقباء ورقباء” مع القيادة المتبقية على الأسماء المرشحة لمنصب رئيس الهيئة الإدارية للشمال، فبينما تم ترشيح “أ. ح.” من مخيم جباليا لهذا المنصب، “تعالت الأصوات المعارضة والغاضبة” وشهدت القاعدة التنظيمية رفضا كبيرا لهذه الشخصية، وصل الى استنكاف قادة بعض المناطق عن العمل التنظيمي نهائيا وتسليم كل متعلقات الحركة، رفضا لهذا الاسم، بذريعة أنه متهم أصلا في التسبب باغتيال قيادي سابق في الحركة، وأن عليه شبهات فساد واختلاس سابقة، بينما رفضت مناطق أخرى هذه الشخصية مثل مناطق جباليا البلد والنزلة وبيت لاهيا، ليس لأمر شخصي، بل لأن هذه المناطق تتهم الحركة باختيار شخصية لهذا المنصب دائما من منطقة مخيم جباليا، متذرعين بأن عدد “الاخوان” في مناطقهم فاقت عدد الاخوان في المخيم، وهو القانون الساري في الحركة، بأن من يشغل هذا المنصب لابد أن يكون من ضمن المنطقة التي تحتوي على أكثر عدد إخوان في الشمال، وهي المشكلة التي تعاني منها الحركة منذ سنوات منذ إقالة ” أ. ص.” من المنصب بسبب تزويره رفقة “س. ز.” أسماء اخوان حتى يكون المخيم هو الأعلى عددا في الاخوان، حتى يحافظ على منصبه وعلى أن يبقى مخيم جباليا هو الذي يضمن دائما حصوله على هذا المنصب بناء على عدد الإخوان في المنطقة.

ولعل حركة حماس تتبع سياسة “الأرض المحروقة”، حيث قررت أن أي قرار يصدر عن الحركة في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي تعاني منها الحركة بعد الحرب، واغتيال الكثير من قياداتها السياسية و”الدعوية”، فإنه سيتم اتباع سياسة “نفذ القرار ثم ناقش” وهو نظام عسكري بطبيعة الحال، لكنهم يلمعونه بصيغة “السمع والطاعة” وهو ما لم يعد موجودا لدى العناصر حاليا، لأن الكيل قد طفح.

الإدارة داخل حركة حماس التي كانت تفتخر بأنها تنظيم “مؤسسات” وليس أفراد، لم تعد إدارة أزمة بل أزمة إدارة، في ظل غياب تخطيط، وانعدام مساءلة، وفشل في خلق شبكات أمان مع القاعدة التنظيمية، حتى تحولت الحركة إلى عبء نفسي على أبنائها بدلا من أن تكون درعا لهم، وحسب مصادر خاصة، الخلافات الكبيرة التي وقعت بعد اغتيال الشيخ “زكريا شحادة” والتي يعرفها جيدا أغلب أبناء حماس، فالقيادي “م. م.” يتبع سياسة تقريب الأشخاص المقربين منه في المناصب الحساسة مثل منصب شحادة، الذي كان أغلب الوقت رافضا لسياسته، رغم أسلوبه الدعوي، وصوته وكاريزماته الهائدة جدا، إلا أن الطريق تمهد للقيادي “م. م”، فعين شخصا مقربا منه جدا، حتى لا يعارضه بأي قرار، وهو ما أثار حالة من الاستنكار والرفض والاستنكاف لدى القاعدة التنظيمية والتي وصلت ل 70% منها باتت بعيدة عن الحركة في ظل الأوضاع الحالية وحالة النزوح إلى الوسطى والجنوب، وبات الأمر لا يعنيهم، لكن من يعنيهم الأمر عبّروا عن رفضهم.

وما هو واضح مؤخرا أصبح الأولوية لدى قادة حركة حماس، هي كتم أصوات قاعدتها التنظيمية، ورفض أي اعتراض، وتكميم النقد، حتى وصل الأمر إلى وقف رواتب الكثير من “أمناء سر الشُعب التنظيمية والمناطق” الذين عارضوا الكثير من القرارات والتعيينات التي تمت أخيرا، كتعيين شخص “مشبوه” بدلا من الشهيد ياسر موسى الذي كان يتولى مسؤولية الأمن في المكتب السياسي للحركة، وهو من منطقة الفالوجا، وبدلا من احتواء الغضب، يجري قمعه، ما يزرع قنبلة تنظيمية مؤجلة.

مما يزيد البلة في التنظيم، هو أن من تم تعيينهم في مجلس الشورى بشمال غزة، مرفوضين من القاعدة التنظيمية، فبعضهم كان مستنكفا عن الحركة خلال الفترة الماضية، فيما بعضم الآخر كان متهما بقضايا فساد واختلاس وسرقة أموال وأجهزة كمبيوتر تابعة للحركة، لتكون ذريعة الحركة، أنه لا يوجد غيرهم صالح لهذه المناصب، في ظل رفض الكثير من أبناء الحركة الذين خرجوا من السجن خلال الصفقة الأخيرة، عن العمل التنظيمي ومعاناتهم النفسية لما جرى لهم في السجون، حتى أصبح مجلس الشورى حاضرا شكليا فقط وغائب فعليا.

الانقسام الحقيقي في حركة حماس وتناولنا “شمال غزة” كعينة فقط، لم يعد تنظيميا فقط بل نفسيا لدى أبناء الحركة، حتى أصبح الانشقاق الأوضح هو خروج القاعدة التنظيمية من المعادلة، التي فقدت الثقة بقياداتها، حتى ظهرت حالة “اللامبالاة” لدى الكثير من أبناء الحركة، وهذا ما يقلق الحركة أكثر من أي انفصال وانقسام داخلي كان سابقا.

إن الانقسام داخل حركة حماس لم يعد صراعا تنظيميا، بل أصبح صراع أشخاص، وتصادم وظائف، حتى أصبحت الحركة مثل “نمر من كرتون” داخله فارغ، تحتوي على أسماء كثيرة لكن بلا ترجمة ولا كفاءة، لأنهم فقدوا الثقة بقيادتهم سواء على مستوى الهيئة الإدارية أو مجلس الشورى أو حتى أمراء المناطق والشُعب، الذين لم يعودوا صادقين معهم، وللحديث بقية في المقال المقبل، وما خفي أعظم.

 

كواليس اجتماع السنوار وقادة القسام الذي تقرر فيه طوفان الأقصى.. الجزء الرابع