الدروز وانتماؤهم لمن يحميهم: من الكرمل إلى السويداء

بقلم: ميساء أبو غنام

عبر مسار التاريخ، لم تكن الطائفة الدرزية طائفة تصادمية أو صاحبة مشروع توسعي، بل اختارت أن تكون طائفة داخلية، مغلقة عقائديًا، ومنفتحة سياسيًا على من يضمن لها الحماية والاستقرار. ويُمكن القول، إن التاريخ السياسي والاجتماعي للدروز هو تاريخ أقلية تبحث عن سند من جهة قوية، بغض النظر عن الدين أو القومية، وهذا ما يجعل من انتمائها السياسي أمرًا مرنًا ومتحولًا بحسب السياق.
الجذر العقائدي والسياسي للطائفة
نشأت العقيدة الدرزية في القرن الحادي عشر الميلادي، في ظل الدولة الفاطمية، كامتداد باطني للإسلام الإسماعيلي، ثم تطورت إلى مذهب مستقل مغلق على من وُلدوا داخل الطائفة فقط، ما رسّخ لديها شعورًا بالخصوصية والهشاشة في آن واحد.
توزع الدروز في مناطق متفرقة من بلاد الشام: جبل العرب في سوريا، جبل لبنان، وجبال الكرمل والجليل والجولان في فلسطين، ما جعلهم دائمًا أقلية عددية في محيطات سياسية وعقائدية مختلفة، وهو ما فرض عليهم تبني سياسات تحفظ الذات وتسعى لضمان الحماية أكثر من السعي للهيمنة.
فلسطين 1956: حماية مقابل ولاء
بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، واجه دروز فلسطين (الذين يقطنون في الكرمل والجليل) مفترقًا حاسمًا. فبينما انخرطت معظم المكونات الفلسطينية في الصراع مع الدولة الجديدة، اختار الدروز مسارًا مختلفًا.
في عام 1956، تم توقيع اتفاق انخراط الدروز في الجيش الإسرائيلي بوساطة الزعيم الروحي الشيخ أمين طريف، ليكونوا أول (وحتى اليوم الوحيدة) من غير اليهود الذين يُفرض عليهم الخدمة العسكرية الإلزامية.
هذا القرار لم يكن ناتجًا عن خيانة أو تنكر للهوية، بل كان محاولة للانتماء إلى الجهة الأقوى التي توفر الحماية في واقع سياسي بالغ التعقيد. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت العلاقة بين الدولة الإسرائيلية والدروز علاقة مؤسساتية تجمع بين الولاء العسكري والاندماج الجزئي في المجتمع.
الجولان المحتل: انسجام دون تجنيد
في المقابل، تعيش الطائفة الدرزية في الجولان السوري المحتل، منذ حرب 1967، وضعًا خاصًا: لم يحصل أغلبهم على الجنسية الإسرائيلية، ولا يشاركون في الخدمة العسكرية، ومع ذلك ينعمون بنوع من الاستقرار والهدوء في ظل سيطرة إسرائيل.
ورغم تحفظهم العلني على الاحتلال، إلا أن تعاطيهم اليومي مع مؤسسات الدولة يعكس نوعًا من الانسجام الصامت القائم على الحماية والخصوصية، وهو ما ينسجم مع السلوك التاريخي للطائفة في التكيف مع السلطة الحاكمة الأقوى.
السويداء: التواصل مع إسرائيل
في سوريا، وبالأخص في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، حافظت الطائفة على حياد نسبي خلال الحرب السورية، ورفضت الانخراط المباشر في صراعات النظام والمعارضة. ومع تصاعد تهديد الجماعات المتطرفة، وتراجع قبضة الدولة، بدأت تظهر قنوات تواصل غير رسمية بين قيادات درزية محلية في جبل العرب وإسرائيل.
في الآونة الأخيرة، زار بعض الشخصيات الدرزية من سوريا إسرائيل، وأعلنت إسرائيل أكثر من مرة استعدادها لحماية دروز السويداء في حال تعرضهم لتهديد مباشر، سواء من النظام أو الجماعات المتطرفة.
خلاصة
ليست القضية أن الدروز يوالون إسرائيل أو يعادون محيطهم، بل القضية أنهم، كأقلية دينية مغلقة، يراهنون دائمًا على من يملك القدرة على حمايتهم، لا من يشاركهم بالضرورة الدين أو القومية.
من الكرمل إلى الجولان، ومن السويداء إلى اسرائيل، تتكرر ذات المعادلة: الحماية مقابل الانتماء السياسي المشروط. وهذا لا يُفهم خارج سياق الصراعات الكبرى التي تدفع الأقليات للبحث عن البقاء أولًا، ثم الهوية ثانيًا.