الدولة الفلسطينية شرط استقرار المنطقة

باسم برهوم

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، والذي سيدخل البيت الأبيض بعد أسبوع تقريبا، قال خلال حملته الانتخابية وبعدها، انه سيعيد الأمن والاستقرار للشرق الأوسط، والشعب الفلسطيني هو الأكثر توقا للاستقرار وحاجة للأمن في شرق أوسط يعيش منذ أكثر من مائة عام في حالة اضطراب وعنف وحروب لا تتوقف، وبالتحديد منذ وعد بلفور وخريطة سايكس بيكو الاستعمارية. من دون شك وبعد كل هذا الزمن تكرست حقائق، الدول الوطنية، ووجود إسرائيل، ولكن مع ذلك بقيت المنطقة مشتعلة بل ازدات اشتعالا في العقود الأخيرة، والسؤال بعد تكريس الحقائق المشار اليها: لماذا لم تستقر المنطقة؟

قد يجيب نتنياهو، على سبيل المثال، ان المشكلة هي إيران، وقبلها كانت العراق وسوريا، وقبلها كانت مصر، وربما بعد ذلك تركيا، ولكن السؤال في كل الحالات المشار اليها: ألم تكن ورقة القضية الفلسطينية هي مبرر الاشتعال؟

وفي موازاة ذلك: ألم يكن الاحتلال والسياسات الإسرائيلية التوسعية هي جذر كل المشاكل والتوتر والحروب؟ خصوصا ان إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم ينص قانونها الأساسي، أو مجموعة قوانينها الأساسية على حدود للدولة. وفي المحصلة فإن هناك صراعا لم يجد حلا حتى الآن، هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهنك دولة ناقصة في الشرق الأوسط، هي الدولة الفلسطينية، وان غيابها وعدم وجودها، شكل الجذر الرئيسي لكل هذه الفوضى وعدم الاستقرار.

هناك حاجة لتتبع بعض المراحل، وخصوصا بعد حرب تشرين الاول/ أكتوبر العام 1973 والتي بدأت بعدها عملية سلام جدية، في مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية، وفي سياق تلك المفاوضات جرت محاولة لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، لكنها لم تكن ناضجة، ولم تنص على استقلال فلسطيني في دولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، لكن ما فهم ضمنيا في حينه ان هناك مرحلة حكم ذاتي تستمر خمس سنوات بعدها قد تقام الدولة. المرحلة الثانية جاءت بعد حرب الخليج العام 1991، مع عقد مؤتمر مدريد، والذي عقد استنادا لمبدأ واضح وراسخ هو “الأرض مقابل السلام” وعرف ضمنيا ان إسرائيل يجب ان تنسحب من الأراضي العربية، وبالأساس من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، مقابل إقامة سلام شامل ودائم.

وكان معلوما ان هذا الحيز الجغرافي، المكون من الضفة والقطاع، هو إقليم الدولة الفلسطينية، ولكن في كلا الحالتين كانت إسرائيل ترفض الاعتراف بشكل صريح وواضح بوجود شعب فلسطيني وأن له ممثلا شرعيا معترفا به دوليا، هذا الرفض نابع بالأساس من الموقف الصهيوني التاريخي الذي تنكر منذ البداية لهذا الوجود، فالاعتراف من وجهة نظر صهيونية سيعني تلقائيا حق الشعب الفلسطيني بممارسة حقه في تقرير المصير على ارضه، والصهونية تدعي ان كل فلسطين التاريخية لها.

الاختراق التاريخي الأول جاء في اتفاق اعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإسرائيل في أيلول/ سبتمبر العام 1993، وهو الاتفاق الذي ابرم استنادا لنفس المبادئ التي عقد مؤتمر مدريد على أساسها، أي قرارات مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام. عبر هذا الاتفاق اضطرت إسرائيل للمرة الأولى للاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، وان لهذا الشعب حقوقا سياسية، وان له ممثلا وقيادة معترفا بها. صحيح ان الاتفاق لم ينص صراحة على دولة فلسطينية، ولكن كان من المحتم الوصول اليها في مفاوضات المرحلة النهائية التي كانت تدور حول العناصر الرئيسية للصراع، القدس واللاجئين والاستيطان والحدود، وهو ما يؤكد ان المرحلة النهائية كانت ستنتهي بحل ينهي الصراع وان دولة فلسطينية مستقلة بحدود آمنة ستكون إلى جانب إسرائيل.

ما علينا ان نتذكره دائما أن ما اعادنا الى نقطة الصفر، وما اطلق الفوضى والحروب من جديد هو تعطيل ومنع عملية السلام من التقدم الطبيعي، وتقع مسؤولية الفشل الاساسية على عاتق اليمين المتطرف الإسرائيلي الذي اغتال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، ومن دون شك في الجانب الفلسطيني بعض الرافضين للاتفاق، ليس هؤلاء الذين رفضوا على المستوى اللفظي، فالمواقف السياسية للمعارضين يمكن احترامها والتحاور معها، ولكن قامت قوى فلسطينية ايضا بتعطيل السلام عمليا، ومع ذلك راجع بعض المعارضين في الجانب الفلسطيني برامجهم، فقد وافقت حماس على سبيل المثال، على دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، بالرغم انها عمليا واصلت مناهضة عملية السلام، اما في الجانب الإسرائيلي فاليمين الذي اغتال السلام باغتياله رابين، هو الذي يحكم في إسرائيل اليوم، لذلك ستبقى المخاوف ما دامت هذه الحكومة موجودة، أو على الأقل إذا واصلت إصرارها على التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني.

القيادة الفلسطينية التي تتحمل المسؤولية، والمعترف بها دوليا حافظت على تمسكها بالسلام رغم كل الضغوط التي واجهتها من كل الاتجاهات، وبالرغم من اصرار الحكومة الإسرائيلية على إغلاق كافة منافذ السلام، بل سلوكها نهجا عدوانيا توسيعيا، القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني تؤمن ان الأمن والسلام لا يمكن تحقيقه إلا عبر تحقيق العدالة. فالرسالة التي يمكن نوجهها للرئيس ترامب، بأن العدل وحده يؤمن لجميع الدول والشعوب الاستقرار، والعدل يعني ان ينعم الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة، دولة فاعلة تلعب دور إيجابيا في حفظ السلام والأمن، وأن أي حديث عن استقرار المنطقة بالضرورة ان يبدأ من الدولة الفلسطينية.

الشعب الفلسطيني متلهف لأن ينعم بالأمن والسلام في إطار دولة له. وهو يتوقع ان يكون الاستقرار الذي يدعو اليه الرئيس ترامب سيبدأ من وقف الحرب في قطاع غزة، وتمهيد الطريق امام قيام دولة فلسطينية، فبدون هذه الدولة سيبقى وعده بالاستقرار وعدا لفظيا.

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً