الذكاء الاصطناعي وكتابة التاريخ

عبداللطيف الزبيدي

هل اعترتك هواجس ووساوس في شأن كتابة تاريخ العالم العربي في القرن الأخير وما تلاه؟ كيف ستطالعه الشعوب في مقبل السنين والعقود؟ وكيف ستكون مواقفها منه؟ وكيف ستكون نظرتها إلى مدى صدقية تدوينه؟ هل سيختلف المحكّ والمجهر والمقراب، أم ستتوب حليمة كتابة التاريخ عن العودة إلى عاداتها القديمة؟
لعلك أدركت النقطة الحرجة التي تؤرّق القلم. أحسنتَ تلقّف الفكرة وهي طائرة. ماذا تقول لمن يرى أن مقولة نزار قبّاني ستذهب هباءً في مهب الريح: «لا وقت لدينا للتاريخ.. فنصف حوادثه تزوير»؟ ما أحسن ظنّك يا شاعرنا! جنابك يحتاج إلى معجزات استقرائية واستدلالية وتحقيقية، إذا أردتَ استجلاء طرائق تدوين الأحداث والوقائع، لدى هيرودوتس، والبيهقي، والمسعودي إلى الجبرتي ومن تلاه. الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، يروي أن حادثة وقعت قبل أسبوع من روايته الواقعة، عند بعض جيرانه، أصابتها ألوان من التحوير والتغيير، فما بالك بالأحداث التي مرّ عليها ألفا عام؟ تقول: وكيف ستذرو الرياح كلام نزار؟
مهلاً، أغلب الظن أن الذكاء الاصطناعي سينتصر للحقيقة ويؤسس لصدقية تدوين وقائع التاريخ. الأرجح أن الآلة الذكية، بما في خزائنها من مليارات الكتب والوثائق، التي تغذيها عبر البرمجيات، وبتريليونات الخوارزميات في التحليل والمقارنة والاستنتاج، لن تقبل إذلال مداركها، والاستهانة بقيمها، ولن ترضى بأشكال التحريف والتزييف.

لقد تنسّمت عقولنا نفحات من عبير الفهم، بفضل ما رأيناه، طوال العقود الماضية، من لعب بالحوادث والوقائع، جهاراً نهاراً، أمام أعيننا، فعلمنا بالقرين علم اليقين، أن ما كانت تشهده الشعوب وتشاهده الأمم، لم يكن زلال الواقع وسلسبيل الحقيقة، فما حادثات الليالي والأيام إلا مرادفات ومتشابهات.

غير أن هذه النافذة التفاؤلية، التي فتحها احتمال موضوعيّة الذكاء الاصطناعي ونزاهته، على آفاق فسحة الأمل، هي الأخرى على ما يبدو جنّة محفوفة بالمكاره. ما يدريك، فلعل التعويل غير البصير على الآلة الذكيّة، لا يخلو من السذاجة، ما دام الدماغ البيولوجي هو الذي يغذّي ويبرمج. فالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة والصين، نظائر «شات جي بي تي» و«ديبسيك»، كله في ظاهره مفتوح المصادر، وفي الحقيقة الصادمة ليس مطلقاً بلا تخوم ولا حدود.
لزوم ما يلزم: النتيجة الذاتية: أن يثوب المؤرخون إلى رشدهم في كتابة التاريخ خير لهم من أن يعفيهم الذكاء الاصطناعي من تدوين التاريخ.

الخليج الاماراتية