الذهب الأسود في سوريا: واقع القطاع النفطي والغازي بعد الثورة ومستقبل الاستثمار

إعداد: محمود أبوزيد

المقدمة

 

يُعتبر قطاع النفط والغاز أحد الركائز الأساسية للاقتصاد السوري، حيث كان يمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2011. إلا أن اندلاع الثورة السورية وما تبعها من صراع مسلح وعقوبات دولية أدى إلى تراجع حاد في الإنتاج وخروج معظم الحقول عن سيطرة الدولة، إضافة إلى انسحاب الشركات الأجنبية وتدمير البنية التحتية.

غابت المعلومات عن الناتج السوري للنفط لعقود طويلة بسبب احتكار وسيطرة النظام البائد على مداخيل هذه المادة وقد اعتبرها في اكثر من مناسبة بانها في ايدي امينة

 

اليوم، ومع تشكيل الدولة السورية بقيادة احمد الشرع، يظهر تحدٍ كبير يتمثل في استعادة السيطرة على الموارد النفطية، وإعادة تأهيل القطاع، والتعامل مع العقوبات الدولية التي لا تزال تؤثر على الإنتاج والتصدير، رغم الحديث عن رفع جزئي محتمل للعقوبات الأوروبية والأمريكية.

 

أولًا: لمحة عن القطاع النفطي والغازي قبل 2011

 

بدأ التنقيب عن النفط في سوريا عام 1933، وبدأ الإنتاج الفعلي عام 1968، فيما استُثمر الغاز لأول مرة عام 1975.

 

إنتاج النفط والغاز قبل الثورة

•      إنتاج النفط: بلغ الإنتاج اليومي لسوريا قبل عام 2011 حوالي 383 ألف برميل يوميًا.

•      إنتاج الغاز: بلغ الإنتاج حوالي 8.7 مليار متر مكعب سنويًا.

•      مساهمة القطاع في الاقتصاد: شكلت عائدات النفط حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت إيرادات الدولة من النفط حوالي 3.2 مليار دولار سنويًا.

 

أهم الأحواض النفطية في سوريا

•      حوض ما بين النهرين (الجزء السوري): يشمل حقول الرميلان، السويدية، كرتشوك.

•      حوض الفرات: يشمل حقول العمر، التنك، التيم، الورد، الجفرة، الأزرق، الخراطة.

•      الحوض التدمري: يحتوي على حقل الشاعر، الهيل، جحار، المهر، وهي مناطق غنية بالغاز الطبيعي.

 

ثانيًا: الحقول النفطية والغازية الرئيسية في سوريا

 

1. حقول النفط في محافظة الحسكة (منطقة الرميلان)

•      حقل الرميلان: أكبر حقل نفطي في سوريا، يضم أكثر من 1322 بئرًا نفطيًا.

•      حقل السويدية: ثاني أكبر الحقول في الحسكة، وكان من أهم مصادر إنتاج النفط الثقيل.

•      حقل كرتشوك: يقع قرب الرميلان، ويمثل مصدرًا مهمًا للنفط الخام.

 

2. حقول النفط في محافظة دير الزور

•      حقل العمر: أكبر حقول النفط في سوريا، كان ينتج أكثر من 75 ألف برميل يوميًا.

•      حقل التنك: من الحقول الكبرى في بادية دير الزور، معروف بإنتاجه العالي من النفط الخفيف.

•      حقل التيم: يقع جنوب دير الزور، وكان ينتج نحو 10 آلاف برميل يوميًا.

•      حقل الورد والجفرة والخراطة: تقع قرب البوكمال وتعد من الحقول الاستراتيجية الصغيرة.

 

3. حقول النفط في المنطقة الوسطى (محافظة حمص وريفها)

•      حقل الشاعر: من أهم حقول الغاز في سوريا، تعرض لأضرار كبيرة خلال الصراع.

•      حقل الهيل: يقع شرق تدمر، وهو غني بالغاز.

•      حقل جحار: جزء من شبكة غاز رئيسية تغذي المنطقة الوسطى.

 

4. الحقول البحرية (شرق المتوسط)

•      البلوك البحري رقم 1 و2: مناطق واعدة للتنقيب عن الغاز قرب الساحل السوري.

 

ثالثًا: تأثير الثورة على القطاع النفطي (2011 – 2024)

 

1. تراجع الإنتاج بسبب الحرب والعقوبات

•      انخفض الإنتاج من 383 ألف برميل يوميًا عام 2010 إلى أقل من 40 ألف برميل يوميًا في 2023.

•      تراجع إنتاج الغاز من 8.7 مليار متر مكعب سنويًا إلى 3 مليارات متر مكعب.

•      توقفت صادرات النفط بسبب العقوبات الغربية، مما أدى إلى انهيار العائدات النفطية.

•      انسحبت الشركات الأجنبية الكبرى مثل شل وتوتال وبتروكندا، مما أدى إلى توقف الاستثمارات.

 

2. سيطرة “قسد” على معظم الحقول النفطية

 

حاليًا، لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تسيطر على معظم الحقول النفطية في شمال وشرق سوريا، مثل الرميلان، السويدية، العمر، والتنك، مما يعقد عملية استعادة الموارد الوطنية ويؤثر على الاقتصاد المحلي.

 

رابعًا: العقوبات وتأثيرها على قطاع النفط

 

1. العقوبات المفروضة على القطاع النفطي

•      منذ أواخر عام 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حظرًا على صادرات النفط السوري، مما أدى إلى توقف العائدات النفطية.

•      تم حظر استيراد المعدات والتقنيات النفطية، مما أدى إلى تدهور البنية التحتية وعدم القدرة على صيانة المنشآت.

•      اضطرت سوريا إلى الاعتماد على الواردات النفطية من إيران، ما أدى إلى أزمات وقود متكررة.

 

2. حقيقة الرفع الجزئي للعقوبات

•      حتى الآن، لا يوجد تأكيد رسمي على رفع العقوبات الأوروبية أو الأمريكية بشكل جزئي عن قطاع النفط.

•      هناك حديث عن مراجعة العقوبات من قبل بعض الدول الأوروبية، ولكن لم تصدر قرارات واضحة بشأن تخفيف القيود على النفط.

•      استمرار فرض قيود صارمة على التعاملات المالية المتعلقة بالنفط السوري يجعل من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية.

 

خامسًا: التوصيات للتعاون مع الدول الصديقة للشعب السوري

 

1. تعزيز التعاون مع الدول الداعمة لاستقلال سوريا

•      تركيا: يمكن أن تلعب دورًا هامًا في إعادة إعمار البنية التحتية النفطية.

•      الاتحاد الأوروبي: دعم مشاريع استثمارية في النفط مقابل إصلاحات سياسية واقتصادية.

•      الدول العربية (قطر، السعودية، الإمارات، الأردن، مصر): دعم مشاريع الطاقة والاستثمار في قطاع الغاز والكهرباء.

 

2. جذب استثمارات أجنبية لدعم القطاع النفطي

•      تشجيع الشركات الأوروبية والعربية على الاستثمار في استكشاف وإنتاج النفط.

•      منح عقود طويلة الأجل للشركات الأجنبية مقابل مشاريع إعادة إعمار المنشآت النفطية.

 

3. تطوير قطاع الغاز والطاقة المتجددة

•      الاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح لتقليل الاعتماد على النفط.

•      الاستفادة من الغاز المكتشف في البحر المتوسط كبديل استراتيجي.

 

4. إنشاء صندوق وطني لإعادة تأهيل قطاع النفط

•      تخصيص جزء من العائدات النفطية لصندوق سيادي لدعم البنية التحتية.

•      إشراك القطاع الخاص السوري في عمليات إعادة تأهيل الحقول النفطية.

 

الخاتمة

 

يمثل قطاع النفط والغاز عنصرًا استراتيجيًا في تعافي الاقتصاد السوري، لكن إعادة تشغيله بشكل فعال تتطلب إنهاء السيطرة غير الشرعية على الحقول، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ورفع العقوبات الدولية التي تعيق النمو.

 

إن مستقبل قطاع النفط السوري يعتمد على التعاون مع الدول الصديقة للشعب السوري، وتعزيز الشفافية في الإدارة، والانتقال نحو اقتصاد أكثر استدامة يعتمد على استثمارات حديثة في الغاز والطاقة المتجددة.

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً