كيف يجندون الأشخاص والشباب ويرسمون طريقة عيشهم ومستقبلهم ويقررون بدلاً عنهم، ويجعلون منهم أشخاصاً منقطعين عن بيئتهم الأصلية وعوائلهم ماضيهم ومستقبلهم، ولا يبنون لهم أي مستقبل سوى أنهم يستخدمونهم لتحقيق مآربهم وأجنداتهم الشخصية والفئوية!
من هم هؤلاء؟
هؤلاء هم القيادات السياسية والأيديويلوجية، التي تحلّل كل محرم وتسوّغ كل وسيلة غير أخلاقية من أجل أهدافها ومخطتطاتها، هذه القيادات التي تجعل من نفسها أباً للشعب ومرجعية للجماعة، وتتخذ من التبرعات والصدقات ومخالطة الفقراء غطاء لإخفاء مختطاتها ومطامعها من أجل بسط سلطتها وتمكين سيادتها على الشعب خارج سلطة الدولة والقانون.
دراما “العميل” التي تبث على قناة MBC وشاهد نت، باللغة العربية تروي قصة شاب مخطوف من عائلته منذ طفولته، يحاول بكل جهده وخياله الرجوع إلى عائلته لكن دون جدوى، والعائلة بدروها تحاول إيجاد هذا الولد المخطوف بين الأمل واليأس، وكلما تقترب العائلة – التي تعيش بأمل رجعة ولدها- من الحصول على معلومة عن مصير ولدها المخطوف، تأتي أحداث أخرى لتغير مجرى الأمور وترجعها إلى نقطة الصفر، وبذلك تذهب كل آمالها مهبّ الريح وتدخل في دائرة اليأس من جديد، فالعائلة تعيش في دوارة الأمل واليأس، تماماً كما تعيش شعوب المنطقة التي تتطلع إلى الاستقرار والتنمية لكن الصراعات وقوى الشر تأتي لتجعل من كل لحظة أمل لحظة يأس وحرمان وترجعها إلى المربع الأول.
تروي أحداث هذا المسلسل كيف أن زعيم عصابة قد خطف طفلاً وزرعه داخل دوائر الدولة لتجعل منه ضابط أمن كفوء، لكي يخدم من داخل الدائرة الأمنية مخططات هذا الزعيم الذي جعل من نفسه أباً حنوناً أنقذ هذا الطفل من يد خاطفي الأطفال دون أن يعلم الشاب المسكين أن هذا الرجل الذي جعل من نفسه أباً منقذاً له، هو بالأساس من خطط لخطفه واستخدامه ودمّر ماضيه ومستقبله بالكامل. وهذا بالضبط حال بعض السياسيين والآيديولوجيين الذين يرسمون من أنفسهم حماة ومنقذين ومحررين وهم بألأساس من تسببوا بالدمار والخراب وضياع مستقبل الشعوب.
المسلسل يظهر أيضاً، صراع الزعامات على بسط النفوذ وجني الأموال من تجارة المخدرات. صحيح أن الهذا المسلسل لا يحكي بشكل مباشر عن الزعامات السياسية والنص ليس سياسياً، لكن من خلال متابعة الحوارات وطبيعة عمل الشخصيات يظهر الجانب السياسي من الدراما بشكل ملفت، حيث يظهر أن السيناريست يريد أن يوصل رسالة سياسية إلى المشاهد مفادها أن (الزعامات التي تتصارع في الساحة والتي تلبس لباس المنقذ والأب والمرجعية، لها وجه آخر غير الذي نراه ونسمع عنه و نتمناه. بالمقابل، هشاشة حضور الدولة ومؤسساتها في مجتماعات تسيطر عليها الأحزاب وأصحاب النفوذ).
شخصية “ملحم” الذي يلعبه الفنان السوري القدير (أيمن زيدان) يمثل جانباً من شخصية قائد سياسي جعل من نفسه مرجعية لمن حوله، ويمدّ يد الخير لأهل حارته الذين يرونه كمثال للخير والإحسان، ومن حوله يحبونه ولا يرون الجانب الشرير من شخصيته، بل يرون فقط الجانب الأبوي والخيري والقيادي منه، وهذا الجانب هو الذي يطغى على شخصيته في عيون الذين يعيشون من حوله.
“وسام” و “خولة” ينظران إلى “الأب ملحم” كأب وكمثل أعلى ومستعدان أن يضحيا بروحهما من أجله، وكذلك رجاله الآخرون الذين يعملون من حوله يحبونه بكل إخلاص وتفان، فهو يمثل قائدهم وزعيمهم الذي لا يقهر.
لكن لهذه الشخصية وجه مخفيّ آخر، وهو وجه شيطاني، ولا يظهر هذا الوجه بوضوح إلا لـ “خولة” في الحلقة السبعين، فتصارحه بقولها: “أنت الذي كنا نراه كمرجعية وكقدوة، لست إلا شيطان!”.
برأيي أن هذا الحوار بين “ملحم” وابنته “خولة” التي كشفت المستور عنه، هو ذروة الرسالة السياسية التي يريد كاتب المسلسل أن يوصلها إلى المشاهد، فهو يرى أن من نراهم قيادات ومُثل عليا ومرجعيات ربما يكونوا هم من دمّروا حياتنا وأضاعوا مستقبل شبابنا و شعوبنا.