الرفاق حائرون يتساءلون: أين اختفت القبة

الطاهر الطويل

لسنين طويلة، اعتقد «الإسرائيليون» أن بإمكانهم الخلود للنوم مرتاحين، والغرق في أحلام لذيذة تنسيهم كونهم يكرّسون احتلالا بغيضا لأرض فلسطين، وذلك لأن في السماء «قبّة حديدية» عتيدة تقيهم الشر المستطير الآتي ممن يعتبرونهم أعداء. حتى جاءت الساعة التي أدركوا فيها أنهم بالغوا في الثقة بالقدرات الخارقة لتلك القبة في التصدي للصواريخ المعادية، حيث غدت سماؤهم عارية مكشوفة.
لم تعد تنفع دعوة سلطات الكيان الصهيوني إلى «التسليم» بعجائب القبة/ المعجزة، واعتبارها قادرة على حماية الإسرائيليين من كل سوء. فهل ثمة خيط رفيع بين العلم والخرافة؟ بين الوهم والحقيقة؟ بين الخبر المجرد والأكاذيب المضلّلة؟
لقد لاحظ العالم باندهاش كيف كانت صواريخ إيران تقطع مسافة تفوق الألف ميل في أقل من عشر دقائق، لتضرب عمق الكيان الصهيوني، فتصيب المباني السكنية والإدارات والمراكز الحيوية، حتى أنها ضربت مستشفى يعالج فيه جنود إسرائيليون أصيبوا خلال المواجهات مع أبطال المقاومة في غزة. وأخيرا وصل الكيان الصهيوني ومعه مؤيدوه في الغرب، لاكتشاف عجيب مفاده أن ما تقوم به إيران «يتنافى مع القانون الدولي»، من خلال ضربها المستشفى… وكأن طائرات وقنابل العدو الإسرائيلي ترمي، فقط، الورود فوق المستشفيات والمدارس والجامعات والمنشآت الحضرية، حتى صارت خرابا يبابا!
لمدة 12 يوما، رصدت القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، مشهدًا غريبًا غير مألوف: الإسرائيليون يفرّون إلى سراديب الملاجئ، وهذه الأخيرة تكرس طبقية اجتماعية، مثلها مثل الفنادق، فيها خمسة نجوم، وفيها صفر نجمة. كما تكرّس ميزًا عنصريًا كبيرًا وانتهاكًا لحقوق الإنسان، إذ جرى تداول مقاطع فيديو تظهر رفضًا لأشخاص وافدين ضمن العمالة الأجنبية، بمبرر أنهم ليسوا يهودا!
وطائفة أخرى من الإسرائيليين ممن يمتلكون رفاهية العيش، اختاروا أن يفرّوا بجلودهم عبر القوارب نحو قبرص ووجهات أخرى، بعدما تعطلت حركة الطيران. ما حذا ببعض المدونين إلى القول تعليقًا على هذا المشهد: «إنه الهروب الكبير من أرض الميعاد»!
ومن ثم، فسواء بالنسبة للذين اختفوا تحت الأرض في الملاجئ، أو بالنسبة للذين امتطوا صهوة البحر، فإن النتيجة كانت واحدة: التأكيد على حقيقة أنهم ليسوا أصحاب الأرض الأصليين، بخلاف الفلسطينيين في غزة الذين لا يجد الخوف سبيلا إلى قلوبهم، وبذلك يرفضون مغادرة أرضهم ووطنهم.

واللافت للانتباه في القاموس الإعلامي المتداول حاليا، أنه انضافت إليه كلمة جديدة. فحين أخذ الإعلام الصهيوني يتحدث عن الأضرار التي ألحقتها الصواريخ الإيرانية بالإسرائيليين، كان يتحدث عن القتلى والجرحى وأيضا عن «المصابين بالهلع»، إذ سُجّلت 143 حالة هلع، كما أحصت سلطات الاحتلال 28 قتلى جراء الهجوم الإيراني الذي أصاب حتى «الغرف المحصّنة».
وفعلاً، فقد انتشرت «فيديوهات» توثق نماذج من حالات الهلع والرعب والهستيريا التي انتشرت بين الإسرائيليين في الشوارع والأزقة والمنازل والملاجئ المحصنة، لدرجة أن صورًا تضمنت لقطات مخجلة نربأ بأنفسنا أن نتحدث عنها، حتى من باب الشماتة في العدو، مع أن هذا الأخير لا يتردد في إهانة الكرامة البشرية، وما يتسرب من صور وفيديوهات يظهر نماذج من الممارسات «السادية» المُقرفة لجنود العدو تجاه الأسرى والقتلى الفلسطينيين.
يُضاف إلى ذلك أنه في حالة الإسرائيليين عامة، لا يمكن التمييز فيهم بين العسكري والمدني، فالكل مجنّد للدفاع عما قيل له ـ عن باطل ـ إنه بلده، والجميع يتلقى خدمة عسكرية كتجنيد احتياطي، والمستوطنون الحاقدون يحملون السلاح، ويعتدون على الفلسطينيين كبيرهم وصغيرهم.
وفي المحصلة، لقد تحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأيقن الإسرائيليون أنهم يعيشون في بيت أوهن من بيت العنكبوت، ما دامت الأرض ليست أرضهم ولا الماء ماءهم.

وإذا أردت، عزيزي القارئ الكريم، التسلية والترويح على النفس قليلا، فأقترح عليك أن تشاهد مقتطفات مما يتسرب من جلسات «الكنيست» الإسرائيلي، حيث تظهر «المعارضة» تمارس التقريع على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (ولو من باب التمثيل) وحيث يلجأ نواب عرب إلى الحديث أحيانا بلغة الضاد، مستشهدين بآيات قرآنية أو بأمثال عربية أو أبيات من الشعر. فيقوم نواب موالون للحكومة بإحداث جلبة في القاعة محتجين على المتحدث، وقد يضطر رئيس الجلسة إلى الاستعانة برجال الأمن من أجل استعمال القوة والأذرع المفتولة لإخراج النائب الذي كسر قواعد اللعبة وخرج على النص من القاعة… وذلك مثال حي على الديمقراطية الإسرائيلية التي يتشدق بها أنصار التطبيع!
وأقترح عليك كذلك التوقف عند فيديوهات أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال، الذي صار شيخا مفتيا، يلجأ أحيانا إلى حفظ آيات من القرآن الكريم من أجل مهاجمة «خصومه»، أو يفتح المصحف الكريم ويقرأ آية موضوعها السلم، مؤكدا أن الإسلام يدعو إلى السلام، ويحثّ المسلمين ليكونوا أول المبادرين إلى ذلك، حقنًا للدماء وحفاظًا على الأمن والأمان والعلاقات الإنسانية. دون أن تستوقفه الآية الكريمة «لا يمسه إلا المطهرون»، ولا تساءل في قرارة نفسه: إذا كان الإسلام يدعو للسلام، فإلامَ تدعو ديانته هو؟ علما بأن السلام لا يعني مطلقا الاستسلام!
والمشهد الأخير الذي أقترحه على القارئ الكريم يخص «مسلسل» زواج ابن «نتن ياهو»، والذي لسوء حظه يؤجل أكثر من مرة، آخرها بسبب المواجهات الإيرانية ـ الإسرائيلية. فهل سيفرح «النتن» أخيرا بزواج أسطوري لابنه بعدما وضعت الحرب أوزارها؟ ولكن، أحقا انتهت الحرب، والحال أن الفلسطينيين يحصون، يوميا، شهداءهم الذين تباغتهم طائرات العدو، وهم ينتظرون المساعدات الغذائية بفارغ الصبر؟!

«موازين»: قشور وشكليات

وفي الرباط، كثير من الناس يغرّدون خارج السرب، مُجسّدين قمة التناقض، فغير بعيد عن ساحات التظاهر التضامنية مع أهالي غزة والمناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، تنتصب هذه الأيام منصات مهرجان «موازين» التي استقطبت مطربين من الشرق والغرب.
في السهرات المنقولة مباشرة عبر التلفزيون، يستوقف المتفرج أمران اثنان، أولهما: أن مطربي الجيل الجديد من أنصار «الراب» يشتركون في حمل «نظارات سوداء» حتى في عز الليل، ومعهم كذلك العازفون… سواد في سواد في سواد… والأمر الثاني، أنهم يلتقون أيضا في الاستعانة براقصين وراقصات خلال أداء الأغاني.
ترى، من أفتى عليهم بأن قيمة الأغاني مرتبطة بالقشور والشكليات؟ وهل يقدّمون أغاني حقا؟

٭ كاتب من المغرب