الرفض وحده لا يكفى!

عبدالله عبدالسلام

قطعت مؤسسة القمة العربية شوطًا طويلًا إلى أن وصلت إلى ما هى عليه الآن. لم يعد خبر انعقاد قمة يحظى بالاهتمام الشعبى. آخر تجليات الإجماع العربى ظهر خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣. بعدها لم يعد العرب يتحدثون بلغة سياسية واحدة. تحولت قممهم تدريجيًّا إلى: «منتديات للتنفيس عن التوترات أو تسوية الانقسامات. فى بعض الأحيان كانت الأساليب التى تحدث بها تلك الأمور كاريكاتورية»، بحسب الدبلوماسى، المستعرب، رئيس الوزراء الروسى الراحل، يفجينى بريماكوف، (١٩٢٩- ٢٠١٥). قليلة هى القرارات التى اتخذتها أى قمة عربية منذ سنوات طويلة ويتذكرها المواطن العربى العادى، بينما لا تغيب عن الأذهان الخلافات العلنية والملاسنات بين هذا الزعيم و«شقيقه» العربى الآخر.

خطابات الزعماء والبيانات الختامية للقمم كانت قوية عالية الطموح، لكن تأثيرها، فى الغالب، ينتهى مع لحظات صدورها. ورغم الحرص على إظهار الوحدة والتضامن، فإن الانقسام كان واضحًا بين محورين، محور ما يسمى الدول المعتدلة، وآخر عنوانه الممانعة والمقاومة، الأمر الذى أصاب العمل العربى المشترك بما يشبه الشلل. القمة العربية الطارئة، المقرر عقدها فى القاهرة فى ٢٧ فبراير الحالى، يمكنها أن تغير، ولو تدريجيًّا، من هذا الوضع. رغم تداعيات العدوان الوحشى الإسرائيلى على غزة وشبح التهجير القسرى الذى يحظى برعاية أمريكية ومقترح ترامب للاستيلاء على غزة، فإن هناك أوراقًا إيجابية عربية يمكن البناء عليها لمواجهة تلك المخططات.

القتل الإسرائيلى الممنهج فى غزة متوقف مؤقتًا، وسوريا تتعافى بعد سقوط الأسد، ولبنان انتخب رئيسًا وشكل حكومة. الخلافات العربية «الزاعقة» هدأت نسبيًّا، وهناك فرصة ليس فقط لصياغة موقف عربى موحد ضد التهجير، بل، وهذا هو الأهم، للخروج برؤية مشتركة تكون بديلة عن الاستفراد الإسرائيلى والأمريكى بتحديد هوية وطبيعة اليوم التالى فى غزة والمنطقة بعد توقف القتال نهائيًّا. أحد أهم الانتقادات الأمريكية لرد الفعل العربى على خطة ترامب «العقارية» فى غزة الادعاء أن العرب يكتفون بالرفض ولا يقدمون بديلًا. القمة مطالبة بإعلان كذب ذلك. المطلوب مشروع عربى متكامل يقدم الرؤية العربية بشأن مستقبل غزة والقضية الفلسطينية. وإذا كانت قمة بيروت ٢٠٠٢ قد تبنّت «المبادرة العربية للسلام»، التى تضمنت إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًّا على حدود ٦٧ وعودة اللاجئين والانسحاب من الجولان مقابل الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل، فإن قمة القاهرة ٢٠٢٥ مطالبة بإعلان مبادرة بنفس الوضوح والقوة تمثل الرد العربى على ما يجرى حاليًا.

هذه المبادرة المطلوبة يمكن أن تكون مقدمة لإحياء النظام الإقليمى العربى على أسس جديدة بعد الضربات المؤلمة التى تلقاها خلال العقود الماضية. المحنة التى تتعرض لها غزة وتداعياتها على الواقع العربى فرصة للنهوض مجددًا. الفشل فى تبنى رؤية عربية واضحة قد لا يؤدى فقط إلى انهيار النظام الإقليمى العربى، بل إلى دخولنا مباشرة إلى عصر النظام الإقليمى الإسرائيلى، الذى ستكون أولى كوارثه التهجير وضم الضفة الغربية رسميًّا، وما خفى أسوأ.

* نقلا عن “المصري اليوم”

تابعنا عبر: