الرياض في قلب التحوّلات… قراءة في الدور السعودي المتقدّم ومآلات المشهد الإقليمي

إسلام الغمري

في ظل التغيّرات المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، عاد الملف السوري ليتصدر الواجهة مجددًا، ولكن هذه المرة من بوابة رفع العقوبات الأميركية، في قرار وُصف بأنه يحمل دلالات سياسية عميقة، تتجاوز السياق الأميركي الداخلي، وتلامس توازنات القوى الفاعلة في المنطقة.
ما يلفت الانتباه في هذا التطوّر هو الحضور الفاعل لكل من السعودية وقطر وتركيا، في إطار جهود إقليمية متواصلة، أسهمت في تهيئة المناخ الملائم لاتخاذ هذا القرار، الذي من شأنه أن يُحدث تحوّلات ملموسة على المستوى السوري والإقليمي في آن واحد.
  السعودية: دور متصاعد في هندسة التوازنات
تُشير المعطيات إلى أن المملكة العربية السعودية باتت تضطلع بدور سياسي متزايد التأثير في قضايا المنطقة، مدفوعةً برؤية استراتيجية أكثر واقعية، تتجاوز الاستقطابات الحادة، وتسعى لإعادة ترتيب الأولويات بما يخدم الاستقرار العام.

ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يُعد اليوم من أبرز الشخصيات التي تسعى لإعادة تعريف موقع السعودية الإقليمي، ليس فقط من خلال المبادرات التنموية أو الانفتاح الاقتصادي، بل عبر انخراط مباشر في الملفات الجيوسياسية الحساسة، وعلى رأسها الملف السوري.

ورغم التباين في وجهات النظر بين العواصم الإقليمية والغربية حول طبيعة التعامل مع النظام السوري، فإن المقاربة السعودية الأخيرة تميل إلى إعادة دمج سوريا تدريجيًا في الفضاء العربي والدولي، مع السعي إلى ضبط الإيقاع بما لا يخلّ بالتوازنات القائمة.

  تعددية الأطراف وصياغة مرحلة انتقالية
اللافت أن القرار الأميركي جاء بعد سلسلة لقاءات ومشاورات رفيعة المستوى، شاركت فيها عدة عواصم، أبرزها الرياض والدوحة وأنقرة، ما يعكس توجّهًا نحو إعادة توزيع أدوار التأثير في المنطقة، بعيدًا عن الأحادية الأميركية أو الثنائية القطبية السابقة.

ورغم أن واشنطن تبقى طرفًا أساسيًا في أي تحوّل يخص العقوبات أو السياسات الخارجية، فإن ما حدث يعكس تقدّمًا للدور الإقليمي في صياغة المبادرات السياسية، الأمر الذي يعزّز من فرضية دخول المنطقة في مرحلة تحوّل متعددة الأقطاب، تقودها توازنات محلية أكثر من تدخلات خارجية.
  الانعكاسات المحتملة على المشهد الإقليمي
لا يمكن قراءة هذا القرار بمعزل عن البيئة السياسية المحيطة به. فرفع العقوبات عن سوريا، إن تم تفعيله وتوسيع نطاقه، من المرجّح أن يُحدث جملة من التغيرات:
• على المستوى الاقتصادي، يُتوقّع أن تُفتح قنوات جديدة لدعم عمليات الإعمار، واستعادة الحركة التجارية والاستثمارية مع دمشق.
• على المستوى السياسي، قد تبرز فرص جديدة لتفعيل مسارات المصالحة، خاصة إذا ما ترافقت مع ضمانات توازن داخلية تُرضي الأطراف السورية المختلفة.
• أما على المستوى الإقليمي، فقد يؤدي ذلك إلى تهدئة نسبية في الملفات المتشابكة مع سوريا، سواء في الساحة اللبنانية، أو في العلاقة مع إيران، أو في أمن الحدود مع العراق والأردن وتركيا.

  نحو مرحلة انتقالية أم حالة استثنائية؟
رغم أهمية ما حدث، فإن القراءة الدقيقة تفترض التعامل مع القرار كجزء من مرحلة انتقالية لم تتّضح معالمها بعد، فنجاح هذا المسار يعتمد على عوامل عديدة، من أبرزها:
• مدى تجاوب الأطراف السورية مع الاستحقاقات السياسية الجديدة.
• استمرار الزخم الإقليمي، وعدم الارتداد إلى منطق المحاور أو الصراعات الصفرية.
• القدرة على ربط الدعم الدولي بمشاريع تنموية شاملة، تُسهم في تحسين معيشة السوريين وتمنع تكرار سيناريوهات الانفجار الاجتماعي.
  خلاصة تحليلية
ما يمكن استخلاصه من هذا التطوّر أن السعودية باتت لاعبًا سياسيًا يُحسب له الحساب في هندسة التوازنات الإقليمية، وأن المشهد الشرق أوسطي دخل مرحلة جديدة تُعيد ترتيب مواقع الفاعلين الإقليميين.

كما أن تقاطع الأدوار بين السعودية وتركيا وقطر في هذا الملف تحديدًا، يفتح الباب أمام نمط من التنسيق المرن بين القوى المتوسطة، بما يوفّر أرضية لإعادة بناء المنطقة على أسس أكثر استقرارًا وواقعية.
ويبقى التحدّي الأبرز في ترسيخ هذه التحوّلات وجعلها مستدامة، بعيدًا عن الارتدادات أو الضغوط الدولية، وبما يحفظ للسوريين حقهم في تقرير مستقبلهم، وللمنطقة حقها في الأمن والتكامل.