سفير فلسطين محمود خليفة : الانقسامات الأوروبية تعرقل معاقبة إسرائيل

السياسي – شدد السفير الفلسطيني في بولندا محمود خليفة، على ضرورة تفعيل الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لآليات تنفيذ القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن بعض الانقسامات الأوروبية تحول دون استصدار موقف حازم ضد إسرائيل.

وقال خليفة، في حوار مع “إرم نيوز”، إن “الانقسامات في الموقف الأوروبي بما في ذلك ما برز مؤخرًا في اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي الذي فشل في فرض عقوبات رادعة على إسرائيل، هو ما يعرقل اتخاذ إجراءات عقابية جادة”.

وأشار إلى أن وجود محاولات ظهرت لبعض الدول لإلغاء شرط إجماع الدول الأوروبية لتفعيل قرارات أكثر حزمًا، تجاه إسرائيل.

وأضاف الدبلوماسي الفلسطيني أن “المشهد الدولي والسياسة الأوروبية تجاه إسرائيل معقدة، لكن من غير المفهوم هذا الصمت أمام جرائم تُبث على الهواء مباشرة، كما أن بيانات التنديد الصادرة عن المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي تحتاج إلى آليات مُلزمة لإجبار دولة الاحتلال على احترام المواثيق والقرارات الدولية ووقف العدوان والإبادة”.

وتابع أن “هناك أصواتا متزايدة داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة في دول مثل إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا، تطالب بمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها في غزة، مدعومة بضغط شعبي وبرلماني متصاعد”.

وقال: “في المقابل، تعرقل مواقف دول مثل ألمانيا وهنغاريا والتشيك أي إجماع أوروبي على فرض عقوبات حقيقية، مستندة إلى اعتبارات استراتيجية وتحالفات تاريخية مع إسرائيل، كما يسعى الاتحاد الأوروبي للحفاظ على علاقات متوازنة مع الإدارة الأمريكية”.

وأشار إلى أن السفارات الفلسطينية في دول الاتحاد الأوروبي تواصل جهودها الدبلوماسية للتأثير على مواقف الدول بشكل ثنائي أو منفرد، لافتًا إلى أن ذلك ساعد بالفعل في الدفع نحو خطوات مثل تعليق بعض اتفاقيات التعاون الأمني أو الأكاديمي أو الاقتصادي، وتعليق صادرات أسلحة محدودة.

وأوضح أن “نحو 30 وزير خارجية أوروبيا وغيرهم، وقعوا على نداء يطالب بوقف إطلاق النار وضمان انسيابية إدخال المساعدات”، مشددًا على ضرورة وجود “آليات ملزمة” للاستفادة من كل هذا الزخم.

واعتبر السفير الفلسطيني في بولندا أن “أي تحرك دولي دون آليات فاعلة تُلزم إسرائيل بوقف المجزرة المفتوحة وضمان إدخال المساعدات الإنسانية بشكل مستدام، سيبقى أي تحرك دولي مجرد تصريحات لذر الرماد في العيون”.

وقال خليفة إن “الحراك الأوروبي متواصل، لكنه جهد يجب أن يكون جزءًا من تحرك دولي منظم وفق المعايير الدولية وتحت إشراف مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية المختصة”.

ونوه إلى أن “أوروبا هي الممول الأكبر للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومنظمات الأمم المتحدة، والصليب الأحمر الدولي، لكنها مطالَبة اليوم بتحويل بياناتها إلى إجراءات عملية”.

وأوضح أنه رغم تصاعد الأصوات الأوروبية المطالِبة بمحاسبة إسرائيل وفرض إدخال المساعدات دون عوائق، إلا أن غياب آلية دولية مُلزمة لإسرائيل ما زال يُفرغ هذه المواقف من مضمونها.

وتابع أنه “من المؤسف أن الاتحاد الأوروبي أخفق حتى الآن في فرض عقوبات حقيقية على إسرائيل، وهو مؤشر سلبي يتناقض مع القيم الأوروبية نفسها”.

وقال الدبلوماسي الفلسطيني: “لا يجوز مكافأة إسرائيل على ما ترتكبه من جرائم إبادة في أكبر كارثة إنسانية في التاريخ الحديث، بل يجب نزع قدرتها على التحكم الفاشي بمصير أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في غزة”.

وأشار إلى أن الطريق لذلك عبر استبدال الآليات الأمريكية–الإسرائيلية الحالية التي تُوظَّف كأدوات حصار وقتل جماعي، بآليات إنسانية أممية موثوقة لديها الخبرة وقواعد البيانات والبنية اللوجستية المناسبة.

وحول مؤتمر حل الدولتين الأممي المزمع عقده نهاية الشهر الحالي، قال الدبلوماسي الفلسطيني، إن “أي جهد دولي يسهم في إنهاء هذا الصراع ووقف معاناة الشعب الفلسطيني هو جهد مقدّر فلسطينيًّا، ويتوافق مع الرؤية التي عبّر عنها الرئيس محمود عباس مرارًا من  منبر الأمم المتحدة، بدعوته لعقد مؤتمر دولي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية”.

وأضاف: “لقد آن الأوان للانتقال من مربع إدارة الصراع إلى مربع حلّه وإنهائه جذريًّا، ورغم التحديات، فإن المبادرة الفرنسية–السعودية الأخيرة مهمة، ويجب استثمار هذا الزخم الدولي لفرض رؤية حل الدولتين، ودعم خطة إعادة إعمار غزة، واستعادة الحكومة الفلسطينية لدورها الكامل في القطاع”.

وشدد على أن عقد هذا المؤتمر يجب أن يشكّل رافعة حقيقية أمام المجتمع الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967، بما يعزز القرارات الدولية ويفعّل حل الدولتين عمليًّا.

ووفق الدبلوماسي الفلسطيني، فإن “إسرائيل بقيادتها الحالية لا تريد أن ترى شعبًا فلسطينيًّا ولا دولة فلسطينية؛ ونحن نتمسك بالشرعية الدولية وبحقنا في تحقيق سلام عادل ودائم، وهذا ما نؤكده دائمًا أمام العالم أجمع”.

وقال: “نحن نمد أيدينا للسلام العادل والشامل، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تتخلى عن عقلية السيطرة وغطرسة القوة، وأن تتحلى بالشجاعة للدخول في عملية سياسية جادة هدفها إنهاء الاحتلال وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للجميع”.

وأضاف: “المطلوب أولًا جهد دولي نحو وقف فوري لإطلاق النار، ورفع القرصنة الإسرائيلية عن الأموال الفلسطينية وموارد الشعب الفلسطيني، التي تهدف إلى شل مؤسساته الوطنية ومنعها من خدمة المواطنين، كما يجب وضع حد للتوسع الاستعماري الاستيطاني والجرائم التي يرتكبها المستوطنون في الضفة الغربية والقدس”.

وشدد خليفة على أن “ترتيبات اليوم التالي” للحرب في قطاع غزة تعني بالضرورة عودة مؤسسات الحكومة الفلسطينية لممارسة دورها الطبيعي في غزة والضفة والقدس، مضيفًا: “من دون ذلك، ومهما حاولت إسرائيل فرض الأمر الواقع، فلن تجني سوى مزيد من نزع الشرعية عنها أمام المجتمع الدولي”.

وقال إن “إصرار إسرائيل على تعطيل حل الدولتين ومنع السلطة الفلسطينية من القيام بدورها لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى والتطرف، وهي نتيجة تهدد الأمن الإقليمي والدولي بأسره، وليس الفلسطينيين وحدهم”.

وحول تأثير الانقسام بين حركتي فتح وحماس على بلورة موقف أوروبي ودولي مساند للموقف الفلسطيني، قال خليفة إن “الانقسام أضعف الموقف الفلسطيني وأربك بعض المواقف الأوروبية، لكن جوهر المشكلة لا يكمن هنا فقط، بل في مصالح وتحالفات بعض الدول الأوروبية مع إسرائيل، والضغوط الأمريكية المستمرة، وإدارة الصراع بدلًا من حله بشكل عادل”.

وقال خليفة إن “الوقت ليس في صالح أحد، وبالتأكيد ليس في صالح الشعب الفلسطيني الذي يواجه اليوم واحدة من أكبر الجرائم وأبشع المجاعات في التاريخ الحديث”.
المصدر – “إرم نيوز”