السلاح والتفاوض: أي هدف سياسي؟

رفيق خوري

هامش التحرّك الدبلوماسي أمام المسؤولين محدود، بحيث يبدو التفاوض مع العدد الإسرائيلي كأنه تفاوض من الباب الخلفي. وطريق العمل العسكري أمام “حزب اللّه” مسدود، لكنه يتصرف كأن السلاح الصامت الذي يرفض سحبه في مواجهة قرار الأكثرية الشرعية، هو القوّة الناطقة في لبنان. وكثيرون يسلمون من دون نقاش بأن قضية لبنان في الداخل ومع العدو صعبة ومعقدة، في حين أننا أسرى “أجندات” تدير سياسة التعقيد حتى بالنسبة إلى ما هو واضح أو بسيط. ومن هنا السجال العبثيّ حول السلاح والتفاوض، وسط تقديس السلاح وتحريم التفاوض، كما لو أن الزمن متوقف، وتجربة “حرب الإسناد” لم تحدث، وقوّة الردع والحماية لم تسقط، ولبنان لم يولد إلّا بعد تأسيس “المقاومة الإسلامية” على يد إيران.

وكالعادة، توسّع الممانعون في حرب على السفير السابق سيمون كرم الذي عيّنه رئيس الجمهورية بالتفاهم مع رئيسي البرلمان والحكومة رئيسًا للوفد اللبناني في لجنة “الميكانيزم” مقابل تعيين نتنياهو دبلوماسيًا إسرائيليًا في ما سمّاه السفير الأميركي في بيروت “قناة حوار”. وهي عمليًا حرب على المسؤولين والتفاوض، لأن الكلّ يعرف أن اللعبة ليست في أيدي سيمون كرم وأوري رازنيك. لا بل هي حرب على حصرية السلاح في يد الدولة من جانب “حزب اللّه” المصرّ على حصرية سلاح المقاومة في يده، كأن ما حدث في ظروف غياب الدولة وقوّة الوصاية السورية والإيرانية يمكن أن يستمرّ إلى الأبد مع حضور الدولة واستعادتها قرار الحرب والسلم.

لكن المسألة ليست السلاح أو اللاسلاح والتفاوض أو اللاتفاوض. المسألة هي الهدف السياسي الذي يراد تحقيقه بالسلاح أو بالتفاوض. فالهدف السياسي في “حرب الإسناد” لغزة كان “القتال على طريق القدس” ضمن المشروع الإقليمي الإيراني على حساب لبنان وشعبه ودماره ودولته. والهدف السياسي الملحّ في التفاوض هو تجنيب لبنان حربًا إسرائيلية مدمّرة بسبب إصرار “حزب اللّه ” على التمسّك بسلاحه والاستعداد لحرب من جديد، على الرغم من الضربة القوية التي تلقاها وانحسار المشروع الإيراني. أمّا الشغل من خلال جهود الفاتيكان بعد زيارة البابا لاوون الرابع عشر وأميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر وروسيا والصين، فإنه يركّز على وقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرّة وانسحاب الاحتلال من النقاط الخمس وعودة الأسرى وتثبيت الحدود البرية.

والسؤال هو: هل يدار التفاوض تحت سقوف ثابتة أم متحركة؟ السقف الذي حدّده لبنان منخفض تحت عنوان دور “تقني” ضمن “الميكانيزم”. والسقف الذي تحدث عنه نتنياهو مرتفع بدأ بالاقتصاد ولا ينتهي بالسياسة. والتجارب كشفت صعوبة اللعب العسكري والدبلوماسي ضمن السقوف المحدّدة. فما بدأه “حزب اللّه” في “حرب الإسناد” من تقدير الاستمرار في القتال ضربة مقابل ضربة على طريقة كرة الطاولة، انتهى بحرب إسرائيلية كاملة ضربت أسلحته وبنيته التحتية واغتالت قيادته وهجّرت بيئته. وما بدأته سوريا الجديدة من تفاوض مباشر مع إسرائيل على مستوى وزاري ضمن هدف أمني هو العودة إلى اتفاق فك الارتباط للعام 1974 أوصلته إسرائيل إلى طريق مسدود لأنها تريد اتفاق سلام من دون انسحاب من الجولان. ولا أحد يعرف إن كان لبنان يستطيع البقاء في إطار الدعوة إلى “اتفاق الهدنة” للعام 1949 أم أن اللعبة تذهب إلى أبعد أو تصل إلى طريق مسدود.

و “لا مستبد إلّا يتخذ صفة قدسية يشارك بها اللّه” كما قال عبد الرحمن الكواكبي. رفیق خوري

*نقلاً عن “نداء الوطن”.