المقال نشر في العرب اللندنية يوم الخميس الموافق لـ 2024/08/08
على مدار الأسبوع الماضي، خاضت قيادات المكتب السياسي لحركة حماس ومجلس شورتها معركة سياسية محتدمة، تدخلت فيها جهات قطرية وإيرانية وتركية، كل طرف منها يريد رئيسا يمثل حاضنته السياسية.
وعمدت هذه الجهات لتسريبات إعلامية حول هذا الملف الشائك والمعقد في سبيل تثبيت ممثل لها على رأس المكتب السياسي؛ كضمان يتيح لها التواجد أو التشاور في الحد الأدنى بالمسار التفاوضي الذي سينتج صفقة إقليمية تُنهي حرب التصعيد المتدرج منذ شهور في المنطقة.
الصراع على رئاسة المكتب السياسي ليس بجديد داخل حماس، فتاريخ الصراع المستعر بين أعضاء الحركة، بدءًا من خلاف أحمد ياسين مع خالد مشعل، وانتهاءً بالخلاف بين إسماعيل هنية ويحيى السنوار، والذي تتوج بطرد هنية من قطاع غزة مع أعضاء موالين له، واستقرارهم في الدوحة، يعكس حقيقة الصراع الذي انتقل بين حواضن الحركة الإيرانية والتركية والقطرية، التي ترغب في تسيير قرار الحركة وتجييره بما يخدم أجنداتها ومشاريعها الإقليمية.
قرار اختيار يحيى السنوار رئيسا لحماس، جاء بعد دفع قطري – إيراني لهذا الترشيح والتمسك به، مقابل تنازل تركي عن ترشيح خالد مشعل، وهو تنازل براغماتي يرى أن استلام يحيى السنوار رئاسة الحركة، يأتي بسياق إبعاد شبح الاغتيال عن خالد مشعل إذا ما تم اختياره كرئيس للحركة.
فالسنوار كما هو معروف، بحكم واقع التصفية الجسدية، هدف للاغتيال تسعى إليه حكومة بنيامين نتنياهو للترويج لنصرها على جثث وركام وأنقاض القطاع المدمر.
يحيى السنوار خيار إيراني أولا وأخيرا، برضى قطري تريد الدوحة توظيفه كورقة عبور نحو إدارة الرئيس دونالد ترامب المحتمل عودته إلى البيت الأبيض.
أما حكومة بنيامين نتنياهو ومنظومتها اليمينية المتطرفة ستدفع بخيارات أكثر تطرفا وتشددا تقابل راديكالية سياسات السنوار، وهو ما سيولّد رغبة دولية بالتخلص منه كحل مطلوب لوقف الصراع في المنطقة كثمن في المقام الأول ترضى به إسرائيل؛ الدولة ومؤسساتها.
ومجددا البراغماتية التركية عبر تنازل خالد مشعل، جاءت إنقاذ له من مصير إسرائيلي عنوانه الأبرز القضاء على رؤوس الحركة مهما كلف الثمن. ثمن أصبح يأكل من رصيد الحركة في الشارع العربي، الذي يرى في الحرب عبثية لم تحقق أهدافها سواء من تحرير الأرض أو الأسرى، كما أُعلن يوم انطلاقتها بالسابع من أكتوبر الماضي، فهو بالمحصلة قرار يصب ويخدم شعبية الحركة باختيار السنوار رئيسا لحماس، ويحافظ على وحدتها، فالسنوار أكد للجميع نوايا انشقاقه عن حماس الخارج إذا تم اختيار بديل عنه لرئاسة الحركة.
تسويق حماس للقرار لا يعكس حقيقته، ومحاولة بائسة للبعد عن أسباب الاختيار بإيجاد مخرجات تبرر مأزق الحركة، فالسنوار لا يملك القدرة على إعادة ترميم وضع الحركة المنهار داخل القطاع، خاصة وأن هناك أجنحة في حماس أعلنت التمرد عليه وعلى قراراته، ولا يستطيع من جهة أخرى إيجاد مسارات تتيح له فتح أبواب العلاقات مع المحيط العربي أو الإقليمي، وهو القاطن منذ بدء الحرب داخل أنفاق غزة.
قراءة تداعيات اختيار السنوار رئيسا للحركة تدلّ على التصاق حماس في الفترة المقبلة أكثر بإيران ومحورها، وبتفرد قرار التفاوض والسلم ونقله إلى صلاحيات السنوار كرأس الهرم التنظيمي بداخلها، واحتكار القرار بيده طالما بقي على قيد الحياة، بعد أن كان القرار بشكل محدود بيد حماس الخارج أثناء رئاسة إسماعيل هنية، وهو ما يناسب توجهات إيران المقبلة على نُذُر تصعيد قد يصل إلى حرب إقليمية واسعة.