إن فكرة النظر لما يحدث في فلسطين أو الأردن أو سوريا أولبنان بشكل منفصل هي فكرة ساقطة وغير قابلة للحياة، والتاريخ بالأمس وأحداث اليوم تثبت ذلك.
إن مجموع هذه الدول الأربع الحالية (وأحيانًا بالتاريخ يضاف لها شمال العراق الحالي) تشكل منطقة جغرافية اقتصادية اجتماعية ثقافية (بل وعائلية) وحضارية واحدة بتنوع الأعراق (عرب وكورد،…) وبتنوع الأديان (الإسلام والمسيحية واليهودية العربية…) والمذاهب الأخرى المتناسقة معًا، وهي ضمن النسيج العربي لسانًا وحضارة، وطوال الدهور حتى اليوم هي سوريا أو الشام أو الهلال الخصيب، او شمال الجزيرة، وقلبها وقلب مجمل الأمة فلسطين والقدس، وعليه فإنه دون تعاون وتعاضد وتكاتف هذه الدول مجتمعة، فلا حياة للجزيرة العربية، ولا لشمال الجزيرة العربية (دول الشام) ولا قيامة ولا استقرار ولا تنمية ولاسلام قط.
إثر تلاشي دور خلافة دمشق ثم بغداد شكلت مصر ثغر الأمة المرابط، وجندها العظيم محرر فلسطين والشام، وكانت سوريا الحالية المكافيء لمصر، كما كانت العراق. وحين انسحبت مصر باتفاقيات السلام ظل العبء (ولو النظري) على سوريا والعراق بقيادة الأمة، فكان ما كان من خطيئة النظام العراقي التي سرّعت بإخراجه من الإطار المؤثر في الأمة، ليبدأ العبث الأمريكي المهول بجسد الأمة.
انطلقت الثورة والمقاومة الفلسطينية الحديثة عام 1965 لمقارعة الاحتلال للأمة ومن قلبها فلسطين، ليس بسيفها لوحدها، ولكن بسيف الأمة ككل فقالت أن “القضية الفلسطينية قاطرة لا تسير الا بالقطار العربي” وهو كذلك الى الأبد، وخاضت نضالها صعودًا وهبوطًا، وارتكبت أخطاء وخطايا وحققت نجاحات وراكمت، ولكنها مع زعماء الأمة رغم كل ذلك قد فشلت أو أُفشلت.
نصل اليوم لعصر الفرعون الإسرائيلي الفاشي الدموي الذي يستبيح المنطقة العربية والاسلامية عامة، فهو يحقد على العرب والعربية وعلى الإسلام وأصحابه وكل طوائفه، لأن كل ما سواه حيوانات جائز قتلها بالشريعة.
على رأس سلسلة أهداف التحطيم المباشر للإسرائيلي الفاشي المعتدي تتربع فلسطين المحتلة ثم المنطقة الشامية ككل (بدءًا من مجازر غزة المرعبة ونكبة فلسطين اليومية على مدار عامين حتى الآن، وبأقدم من ذلك من العام 1948 على الأقل) بالتوافق الكامل مع الراعي الأمريكي الكذاب والمخادع، وأخيرًا مما نشاهده يحدث اليوم مع سوريا الحالية.
لطالما حلم قادة الدولة الصهيونية بتحطيم قوى الأمة العسكرية (وبالطبع الاقتصادية والصناعية، والزراعية وغيرها) وتحويلها الى أمة تُفّه ثقافيًا وفكريًا، ومتسولين مستهلكين نهمين لمنتجات الغرب الاستخرابي (الاستعماري)، والى أمة خانعين وضيعين يستجدون الأمن والرفاهية بذِلة وصِغار منهم، ومن حاميهم الأكبر الراقد على جثث ملايين السكان الأصليين في أمريكا.
تحطمت قوى الأمة الاقتصادية فاستُتبعت (بإرادة زعمائها) للغرب الاستعماري النزعة بمنطق قبول الهيمنة واستجداء الحماية! والاقتصادي بمنطق الاستهلاكية والافتتان بالغرب وتحقير الذات التي تقتل الدول العربية والانسان العادي، دون الانتاجية والصناعة والتقانة (التكنولوجيا) والثقافة الرحبة والتطور.
تفتيت سوريا الحالية اليوم هو مما يظهر على رأس أولويات المشروع الصهيوني-الامريكي التوسعي المسكون بالأساطير والخرافات التوراتية (من الفرات الى النيل) بعد ابتلاع كل فلسطين، وإهانة لبنان، فالهيمنة الجغرافية ليس احتلال جغرافي مباشر فقط، وإنما إخضاع وسيطرة وسطوة من جهة وتذييل أنظمة، ومقابلها إحتلال عقول أخرى تنظر وتراقب حتى تخور قواها وترتبك ركبها وترتعد فرائصها رعبًا طلبًا للحماية من الأمريكي الذي صرّح ولم يلمّح أن بوابة رضاه وحنانه فقط عبر الإسرائيلي المهيمن.
لم يعد سعي الاحتلال الصهيوني والأمريكي هو نهب واستغلال ثروات الشعوب العربية فلقد حققوا هذا الهدف! أو يظنّون! ولم يعد الولاء للأمريكي فقط هو المطلوب مما تحقق، ولكن تقسيم البلاد وتشتيت العباد وتدمير كل أواصر التلاقي بينهم ومنها الحضارية والثقافية والدينية واللغة العربية الجامعة، أي قتل أفكارهم الجامعة اليوم والى الأبد شرقًا وغربًا حتى لا تقوم للأمة سواء العربية أو الاسلامية (بالمسيحية المشرقية) قائمة. فيتم ترسيم الطاغوت الإسرائيلي الفاشي سيدًا للمنطقة العربية (التي سماها الأوربي الاستخرابي الشرق الأوسط). أي سيدًا على أشباه بشر بلا قيم ولا فكر ولا ثقافة ولا حضارة ولا دين …الا دين الولاء للأمريكي العنصري وبوابته الإسرائيلي المحتل.
في سوريا بالأمس وقفت جميع الطوائف ضد المستعمر الانجليزي ومع الحكم العربي (بقيادة الأمير فيصل بن الحسين)، ثم مع تبادل الأدوار بين الانجليز والفرنسيس عام 1920 وقفت الشام ضد الاستخرابي الفرنسي أيضًا، فقامت ثورة هنانو في إدلب وحلب ضد الفرنسيس المستخربين (المستعمرين)، وقامت ثورة أبطال العلويين بقيادة المناضل والقائد صالح العلي ضدهم، كما قامت ثورة طالب الشرع في الزويّة وحوران ضدهم، وثورة الموحدين العرب الأقحاح الدروز بقيادة سلطان باشا الاطرش، وهكذا من كل المكونات في الدولة السورية الحالية التي رفضت التقسيم وأصرت على وحدة البلاد، وهو ما تفعله اليوم، ولن تنساق لطبول الفتنة الصهيونية العالية الصوت بالصواريخ، والمصاديح (المكروفونات).
الحاصل اليوم من الإسرائيلي المستبيح للأمة وشعوبها وأرضها وبالدعم الامريكي المباشر هو استكمال احتلال فلسطين وشطب دولة فلسطين، وإغراق المنطقة بالفتنة وتأليب الطوائف والاحزاب على بعضها، والاقتتال وتعظيم الأحقاد، وتطويع وأسُر قلب الأمة وكسر أضلعها، واستخدام القوة الساحقة للاخضاع سواء بالحديد والنار أو بانخلاع قلوب المتفرجين الساعين للرخاء والدعة والسلامة ظانين أنهم (يقبعون بعيدًا!) وظانين أنهم باسترضاء الوحش الصهيوني الفاشي بتذللهم سينجون، ولا منجاة لأحد اليوم! لأنه عندما تسقط القلاع في فلسطين والشام والعراق والعين على مصر! ماذا يبقى للأمة؟! وماذا يبقى لأولئك الزعماء اللاهين بين أصابع ترمب ونتنياهو!؟
