الشعب الفلسطيني وحقّه الثابت في تقرير المصير: نضالٌ مستمرّ في مواجهة الاحتلال

عمران الخطيب

يشكّل حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير أحد أكثر الحقوق رسوخاً في القانون الدولي، وهو حقّ غير قابل للتصرّف، أقرّت به الأمم المتحدة منذ عقود ولا يزال يحظى بإجماع عالمي واسع. وبرغم الظروف المتغيرة والمشهد السياسي المعقّد في المنطقة، يواصل الشعب الفلسطيني التمسّك بهذا الحق التاريخي والإنساني، في ظلّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسياساته الاستيطانية والعنصرية.

حقٌّ لا يسقط بالتقادم

لم يكن نضال الفلسطينيين من أجل الحرية حدثاً عابراً أو مرتبطاً بمرحلة سياسية محددة، بل هو مسار تاريخي يتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل. وبرغم التحديات والانقسامات والضغوط الإقليمية والدولية، لم يتخلّ الشعب الفلسطيني عن قضيته الوطنية، ولا عن مقاومته المشروعة التي كفلها القانون الدولي للشعوب الواقعة تحت الاحتلال.

إن حقّ تقرير المصير الذي يناضل الفلسطينيون من أجله ليس مجرّد مطلب سياسي، بل هو حق طبيعي وتاريخي وثقافي، مرتبط بالهوية الوطنية وبالوجود نفسه، ولا يمكن لأي قوة سياسية أو عسكرية أن تلغيه.

اليوم الدولي للتضامن: رسالة أممية واضحة

في اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، أن الشعب الفلسطيني يمتلك الحق في الكرامة والعدالة وتقرير المصير، شأنه شأن جميع شعوب العالم. وشدّد غوتيريش على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء الاحتلال غير القانوني.

غير أن الموقف الأممي، بالرغم من أهميته، يبقى غير كافٍ ما لم تحوّله الدول المعنية إلى إجراءات عملية على الأرض. فإسرائيل ترفض الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، وتواصل توسيع الاستيطان، وتهدم المنازل، وتصادر الأراضي، وتفرض سياسات فصل عنصري واضحة، إضافة إلى استمرار عمليات القتل بحق المدنيين في قطاع غزة وعمليات التطهير العرقي في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

المطلوب: إرادة دولية حقيقية

إن على الدول التي تعترف بدولة فلسطين، وتؤمن بحل الدولتين، أن تستخدم أدوات القانون الدولي لفرض التزامات واضحة على حكومة الاحتلال. ومن أبرز هذه الأدوات اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وفرض عقوبات دولية على إسرائيل باعتبارها دولة احتلال تنتهك القانون الدولي الإنساني وترتكب جرائم بحق المدنيين.

ولعلّ التجربة الدولية ضد نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا تؤكد أن العقوبات الدولية والعزلة السياسية كانت عاملاً حاسماً في إسقاط ذلك النظام، وهو ما يفتح الباب أمام مقاربة مشابهة تجاه الاحتلال الإسرائيلي.

المساءلة الدولية ضرورة ملحّة

يتطلع الشعب الفلسطيني اليوم إلى عدالة دولية حقيقية، وإلى محاسبة قادة الاحتلال، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأركان حكومته اليمينية المتطرفة، أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. وتشمل المساءلة جرائم القتل الجماعي في قطاع غزة، والانتهاكات المنهجية بحق المدنيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، إضافة إلى مسؤولية الجيش الإسرائيلي عن حماية المستوطنين الذين يمارسون انتهاكات ممنهجة بحق الفلسطينيين العزّل.

كما بات من الضروري إدراج التنظيمات والأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة في إسرائيل على قائمة الإرهاب الدولية، نظراً لدورها التحريضي وتنفيذها اعتداءات خطيرة ضد المدنيين، بدعم مباشر من جهات حكومية.

القانون الدولي ليس خياراً بل التزاماً

تطبيق القانون الدولي على دولة الاحتلال وعلى مجموعات العنف المنظّمة ليس أمراً رمزياً أو سياسياً، بل هو ضرورة لحماية حقوق الإنسان ومنع تكرار الجرائم. إن غياب المساءلة يشجّع الاحتلال على مواصلة سياساته، بينما يشكّل تطبيق القانون رادعاً مهماً يحمي الفلسطينيين ويعيد التوازن إلى الساحة السياسية الدولية.

خاتمة: نضال طويل وإرادة لا تنكسر

لم يتوقف الفلسطينيون يوماً عن الدفاع عن حقهم في الحرية والاستقلال، ولن يتوقفوا اليوم ولا في المستقبل. فالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ليست مطلباً تفاوضياً، بل حق ثابت تكفله الشرعية الدولية، وتدعمه إرادة شعب يعيش على أرضه ويتمسّك بها رغم كل التحديات.

سيظل الشعب الفلسطيني، بكل فئاته وأجياله، يناضل من أجل تقرير المصير وإنهاء الاحتلال وإقامة دولته على ترابه الوطني، مستنداً إلى عدالة قضيته، وإلى دعم شعوب العالم وكل القوى التي تؤمن بالحرية والكرامة الإنسانية.