الشيخ غزال غزال… من هو؟ وماذا يريد في الساحل السوري؟

نشرت مجلة المجلة الصادرة في لندن تقريرا بقلم الصحفي والباحث السوري صبحي فرنجية ، حيث كشف الكاتب ان الشيخ غزال غزال المحرض الابرز للطائفة العلوية قد حاول الاقتراب من دائرة الحكم منذ زمن الاسد الاب ثم الابن الا انهما لم يريا فيه ضالتهما .

عرف راديو مونتيكارلو الشيخ غزال بانه رجل دين برز اسمه بعد سقوط الأسد كأحد الشخصيات الدينية المؤثرة في الطائفة العلوية بسوريا. كان موقفه تجاه الحكومة الانتقالية في البداية حذرا، لكنه اتخذ لاحقا نهجا أكثر تصعيدا بعد الأحداث التي شهدها الساحل السوري في مارس/آذار الماضي.

وينحدر غزال من إحدى العائلات المعروفة في النسيج الديني للمجتمع العلوي بريف اللاذقية، ونشأ وتلقى دروس الشريعة الإسلامية في دمشق ولندن، وعمل إماما وخطيبا ومدرسا في اللاذقية.

وفيما يلي النص الكامل للمقال كما ورد عن المجلة: 

ينتقد الشيخ غزال غزال الطائفية ويقف على أرضيتها، يطالب بدولة لامركزية، يرى أن أفضل الحلول هو العلمانية، يعدّ الحكومة السورية الجديدة بأنها “منظومة إرهابية متكاملة”، في وقت يتحدث فيه بمصطلحات مثل: “الدم العلوي”، ويرى أنه لولا علي بن أبي طالب لما وجد إسلام، ويدعو الناس في منطقة الساحل السوري إلى التظاهر في الساحات ضد الحكومة السورية. مطالباته لاقت آذانا مصغية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفي ديسمبر/كانون الأول الجاري، فتسبب في حالة من الفوضى خلفت قتلى وجرحى. وآخر التجليات أن رجل الأعمال رامي مخلوف شن، في فيديو، هجوما عليه، وحثه على الابتعاد عن تحريض العلويين، مذكرا بـ”دعمه” لوالده وشقيقه.

غزال هو ابن وهيب غزال رجل الدين العلوي المعروف، ولد عام 1962 في بلدة الحفة بريف اللاذقية، حيث درس فيها، وحصل على شهادة الثانوية العامة في مدينة اللاذقية. توجه غزال نحو كلية الشريعة في جامعة دمشق، وبعد إنهاء دراسته فيها التحق بالجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن عام 1988، قبل أن يعود إلى مدينة اللاذقية ليعمل مدرسا وإماما وخطيبا في مسجد محمد الباقر في المدينة، ثمّ مفتيا لها. غزال ألف عدّة كتب منها “القلب الإنساني في القرآن والسنة”، و”وسائل المعرفة في القرآن والسنة”.

حاول الشيخ غزال الوصول إلى دائرة الحكم أكثر من مرّة زمن حافظ الأسد، ثم بشار الأسد، إلا أن الأسدين لم يريا في الشيخ غزال ضالتهما، لاسيّما أنهما كانا يركزان على تصدير شيوخ من الطائفة السنية في المراتب العليا الخاصة بمجالي الشرع والدّين، كونهما فتحا الطرق أمام شيوخ آخرين من الطائفة العلوية، كما أنهما عدّا أن الطائفة العلوية هي بالضرورة حليفة لحكمهما، في حين أن الجهد ينبغي أن يُبذل في كسب غالبية السوريين من السنة. وخلال حديثه مع “المجلّة”، قال أحد الأشخاص المطلعين على ترتيبات دفن حافظ الأسد في يونيو/حزيران عام 2000، إن الشيخ غزال أثار مشاكل داخلية في الطائفة العلوية عندما اعترض على أن يقوم شيخ سنّي، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، بالصلاة على حافظ الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية، وهذا ما أثّر على قدرة غزال في كسب ثقة بشار الأسد في وقت لاحق.

 

ومع وصول الشيخ أحمد حسون إلى منصب مفتي سوريا في عام 2005، حاول غزال التقرب منه، وعدّ أن وجود شيخ علوي بموازاة مفتي سوريا- السني- أمر ضروري من الناحية الاجتماعية والسيادية، إلا أن حسون لم يُعط فرصة لغزال للتقدم أكثر، ووصل الأمر إلى أن حسون في أحد المؤتمرات التي عُقدت في طهران زمن النظام السوري- قبل بدء الثورة السورية عام 2011- طلب من الشيخ غزال الرجوع إلى المقاعد الخلفية وعدم الجلوس في المقاعد الأمامية بجانبه والإخلال بتراتبية توزيع المقاعد على الحضور. ليبقى غزال صاحب تأثير محصور في محيطه وطائفته على مدار سنوات الأسد.

مع سقوط النظام السوري السابق، وهروب بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من عام 2024، بدأ صوت الشيخ غزال غزال يظهر بشكل أوضح، فلعب على وتر الكلمات، بين متقبّل وناقد لحكومة أحمد الشرع، وفي شهر فبراير/شباط الماضي تم الإعلان عن تأسيس “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر”، وتم تعيين غزال رئيسا له، ليصبح صاحب الصوت الأكثر فعالية في الأشهر اللاحقة، خصوصا بعد أحداث الساحل الدامية التي حصلت شهر مارس/آذار الماضي والتي راح ضحيتها المئات.

يأتي تحت مظلّة “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر” مجلسان، الأول هو المجلس الديني الذي يترأسه الشيخ غزال، ويتألف هذا المجلس من 130 شيخا على النحو التالي: 30 من محافظة اللاذقية، 30 من محافظة حمص، 30 من محافظة طرطوس، 30 من محافظة حماة، و10 من محافظتي دمشق وريف دمشق. أما المجلس الثاني فهو المجلس التنفيذي الذي يضم المكتب السياسي، ومكتب العلاقات العامة، والمكتب الاقتصادي، والمكتب القانوني، ومكتب التنسيق، والمكتب الإعلامي، ومكتب الإغاثة، ومكتب التوفيق التاريخي.

 

أحداث الساحل السوري في مارس/آذار كانت مفصلية في بلورة موقف الشيخ غزال من دمشق، حيث بدأ الحديث عن ضرورة التدخل الدولي لحماية العلويين في سوريا، وأعلن رفضه للجنة تقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري التي تم تشكيلها بقرار من الرئيس أحمد الشرع، وبدأ بخطاب يعاكس جهود الحكومة السورية، على سبيل أن من أحد الأخطاء التي ارتكبها أهل الساحل السوري هي تسليم سلاحهم للحكومة الجديدة، ما فهمه كثيرون بأنه دعوة ضمنية من الشيخ غزال للتسلح من جديد. وفي تسجيل مصور له في يوليو/تموز الماضي، وصف غزال الحكومة السورية بأنها “منظومة إرهابية متكاملة، تتبع دينا مشوها يقدس سفك الدماء”. كما شارك غزال في مؤتمر وحدة المكونات الذي نظمته الإدارة الذاتية التابعة لـ”قسد” في أغسطس/آب 2025، وطالب – في كلمة مصوّرة- بدولة علمانية تعددية لامركزية، وعدّ أن النظام اللامركزي أو الفيدرالي هو الذي يضمن حقوق جميع المكونات السورية.

كما وجّه الشيخ غزال صوته إلى السنّة السوريين في إحدى كلماته المصوّرة، وقال إن الحلول واضحة: الفيدرالية واللامركزية السياسية. وأضاف أن نظام الحكم هذا هو ضمان لحقوق العلويين والسنة بعيدا عن الإرهاب، دون أو يوضح المعنى الذي يقف وراء الإرهاب أو مصدره.  كما قال في كلمة أخرى: “إن كانت مطالبتي بحماية الناس الأبرياء ورفضي اعتبارهم فلول نظام، اتهمت بالطائفية، وأن مطالبتي سياسية، فأنا أؤكد على مطالبتي بالحماية الدولية”. واتهم الحكومة السورية بأنها “تحارب” الناس بلقمة العيش “من أبناء طائفتي لمجرد أننا لا ننتمي لفكرهم المتطرف”.

نهاية شهر نوفمبر الماضي، دعا غزال أبناء الساحل السوري إلى اعتصامات ضدّ الحكومة السورية وذلك على خلفية التوتر الذي حصل في حمص يوم 24 نوفمبر، وقال في رسالة مصوّرة له: “سلمنا السلاح لسلطة أمر واقع إرهابية تكفيرية إقصائية جعلت المكون السني أداة سياسية استخدمته ضد أي صوت يندد بالظلم”. وأضاف: “لسنا شعبا يذبح في الأزقة”، موجها نداءه “لأبناء الطوائف كافة” ودعاهم لـ”اعتصام سلمي لإيقاف آلة القتل ضد أشكال الإرهاب في الثانية عشرة ظهرا (يوم 25 نوفمبر)”، لبى المئات دعوة غزال حينها، وتدخلت قوات الأمن الداخلي لحماية الناس في الساحات، وقال قيادي في الأمن العام في اللاذقية لـ”المجلة” إن الأوامر كانت صارمة لنا “لا اعتقالات للمدنيين، ولا تدخل في مواجهة المتظاهرين مهما كانت هتافاتهم”. وأضاف: “خلال المظاهرات التي نفذها المدنيون الذين استجابوا لدعوة الشيخ غزال، كانت هناك مظاهرات مناهضة لهم، كنّا في الوسط نحاول منع الاشتباك بين الطرفين الذي كان حتميا في تلك اللحظة”.

 

في يوم 27 ديسمبر الجاري، طالب الشيخ غزال العلويين بالخروج إلى الساحات في اليوم التالي (28 ديسمبر)، هذه المرّة كان غزال أكثر وضوحا، حيث قال في تسجيل مصوّر: “غدا ستنقلب موازينهم، وسنري العالم أن المكون العلوي لا يمكن أن يُهان أو يُهمش، غدا سيكون طوفانا بشريا سلميا”، داعيا الجميع إلى النزول إلى الساحات بـ”صدور عارية”. اليوم التالي كان فوضويا ودمويا، حيث شهدت مدينتا اللاذقية وجلبة هجمات على عناصر الأمن الداخلي، ما أسفر عن سقوط قتلى منهم، إضافة إلى سقوط جرحى في المدينتين. وعلى الرغم من أن قوات الأمن الداخلي استطاعت السيطرة على الوضع بشكل عام، فإن الآثار الاجتماعية في الساحل السوري لهذه الاشتباكات لن تختفي بسهولة، خصوصا أن المجتمعات في المنطقة ازداد الغضب الداخلي بينها، ولحظة الانفجار قد تكون وشيكة في حال حصل أي انفلات أمني في المنطقة.

الشيخ غزال، يُطل على السوريين عامة، وأهل الساحل السوري خاصة، عبر كلمات مصوّرة دون أن يكون هناك أي دليل أو مؤشر عن مكانه. و”المجلة” حصلت على معلومات متضاربة عن مكانه، البعض قال إنه في القامشلي في الوقت الحالي، في حين قالت مصادر أخرى إنه من المرجح أن يكون قد غادر الأراضي السورية قبل عدّة أشهر. كما لفتت عدّة مصادر إلى أن ظاهرة الشيخ غزال أثارت إعجاب كثير من قادة النظام السابق الموجودين في سوريا ولبنان، وأن الأخيرين يحاولون استنساخ الحالة ذاتها في عدّة مناطق ذات غالبية علوية، وذلك في سبيل الحصول على أكبر دعم ديني لتحركاتهم وعملياتهم. إضافة إلى الماكينة الإعلامية التابعة لإيران و”حزب الله”، حيث يتم استخدام خطاب الشيخ غزال في سياق حملاتهم لشيطنة الحكومة السورية.

تعيش سوريا اليوم حالة من الانقسام الاجتماعي القائم على عدة أصوات بسرديات عديدة، منها الدينية في الساحل السوري والسويداء وبعض المناطق السورية الأخرى، والسردية القومية القائمة على جهود توحيد الصوت القومي (الكردي) الذي يتصدره قادة “قسد”، والسردية الدولتية التي تحاول الحكومة السورية تصديرها عبر قنواتها الرسمية، وما بين هذه السرديات تنشط أجندات إعلامية غير رسمية تقف خلفها دول وكيانات خاسرة من سقوط نظام الأسد تحاول تأجيج التوترات بين السوريين، وتعميق الخلافات فيما بينهم معتمدين على عدة عوامل: انتشار السلاح، والانقسام المجتمعي، وضعف المؤسسات الأمنية السورية الحالية التي تبني نفسها من جديد.