«الصراع الناعم» بين أوروبا وأمريكا.. إلى أين؟

محمد السعيد إدريس

على العكس من صراع «تكسير الإرادات» الذي يخوضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الحلفاء قبل الأعداء، لم يستطع الاتحاد الأوروبي مجاراة هذا التوجه الأمريكي وخوض سياسة «الند بالند»، ولكن ما تكشف عما سمي بـ«السابقة الثلاثية» التي عقدت في بروكسل يوم الاثنين الماضي، حيث المقر الرسمي للاتحاد الأوروبي وضمت قادة دول هذا الاتحاد الـ27 إضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الذي خرجت بلاده من الاتحاد الأوروبي، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الاتحاد الأوروبي لا يملك إرادة خوض صراع مع الولايات المتحدة أو الخروج من «العباءة الدفاعية الأمريكية»، وأن أقصى ما يمكن القيام به هو ترويض الاندفاع الصراعي الأمريكي مع الاتحاد الأوروبي، ضمن ما يمكن اعتباره صراعاً ناعماً «خالياً من كل أدوات الصراع الخشنة»، ما يعني أن دول الاتحاد ليست مهيأة بعد للانخراط في المشروع الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اجتماع «المجموعة السياسية الأوروبية» في «بودابست»(7/11/2024) عقب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأقل من 48 ساعة، بتحقيق «الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية»، على الرغم من وجود ثلاثة ملفات «صراعية» أو على الأقل «خلافية» بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في ظل رئاسة دونالد ترامب هي: الملف الأوكراني والملف الاقتصادي الذي يتشكل في عقوبات اقتصادية أوروبية عبر رفع نسبة التعريفات الجمركية التي تهدد بها واشنطن الدول الأوروبية على نحو ما حدث مع كندا والمكسيك والصين، وأخيراً ملف مستقبل حلف شمال الأطلسي «الناتو» وهل سيحافظ ترامب على التحالف الأمريكي – الأوروبي، أم أنه سينفذ تهديداته بالانسحاب من الحلف.

قبل يوم واحد من ذلك الاجتماع الثلاثي الذي توجهت إليه معظم أنظار الأوروبيين على وجه التحديد، انتقد الاتحاد الأوروبي على لسان كلاس كنوت عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي محافظ البنك المركزي الهولندي، قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة وعالية على الواردات من أكثر شركاء الولايات المتحدة، واصفاً الخطوة بأنها «مؤذية» لجميع الأطراف، وقال إنه يتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب إلى ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة مما سيضعف «اليورو» على الأرجح. وقال إن أوروبا «لن تقبل بممارسة الضغوط عليها». وصبيحة يوم ذلك الاجتماع الثلاثي خرجت رئيسة الحكومة الدنماركية «ميت فريدريكسن» بتصريح متشدد يخص الأزمة المتفجرة بين الدنمارك والولايات المتحدة حول مطالب الرئيس ترامب بشراء جزيرة «غرينلاند» الدنماركية، وهي الأزمة التي تهدد بتفجير سبب رابع للخلاف الأوروبي – الأمريكي.
فقد أكدت قبيل اجتماع «القمة الثلاثية» بأن «غرينلاند ليست للبيع» بعد أن قال وزير الخارجية الأمريكي الجديد ماركو روبيو إن اهتمام الرئيس دونالد ترامب بشراء الجزيرة «ليس مزحة».
رغم ذلك لم تأت مقررات تلك القمة الثلاثية على مستوى تلك «الخلافات الساخنة» مع واشنطن التي امتدت إلى «الإنفاق الدفاعي الأوروبي»، حيث بدأ ترامب يتجاوز مطالبته السابقة للدول الأوروبية لرفع إنفاقها الدفاعي من 2.5% من إجمالي الناتج القومي الإجمالي لكل دولة إلى 5% من هذا الناتج، كي تكون أوروبا شريكة حقيقية في تحمل أعباء الدفاع عنها، وكي لا تبقى الولايات المتحدة هي من يتحمل تلك الأعباء.

فعقب انتهاء هذا الاجتماع مساء الاثنين الماضي، وهو الاجتماع الذي لم يحظ بتغطية إعلامية لائقة خرجت «أورسولا فون دير لاين» رئيسة المفوضية الأوروبية لتقول إن الاتحاد الأوروبي «سيكون مستعداً لخوض مفاوضات صعبة مع الولايات المتحدة لحماية مصالحه الخاصة»، مشيرة إلى أن الاتحاد «سيتبنى نهجاً عملياً في السعي لإيجاد حلول».

وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن في الأسبوع الماضي أنه يتهيأ لفرض رسوم جمركية جديدة على الاتحاد الأوروبي. وفي لقاء لأوسولا مع سفراء الاتحاد الأوروبي (الثلاثاء 4/2/2025) قالت إن «هناك كثيراً من الأمور على المحك بين الجانبين»، وإن «هناك وظائف وشركات وصناعات في كلا الجانبين (الأوروبي والأمريكي) تعتمد على الشراكة عبر الأطلسي». وأوضحت أن أوروبا «ستكون حازمة في تعاملاتها مع واشنطن». وأكدت «سنكون مستعدين لخوض مفاوضات صعبة حيثما كان ذلك ضرورياً، بالإضافة إلى وضع أسس لشراكة أقوى».
حديث مفوضة الاتحاد الأوروبي مجدداً في مثل هذه الظروف عن «الشراكة الأقوى» الأوروبية – الأمريكية يأتي خارج سياق مسعى ترامب لفرض «أمريكا عظيمة مجدداً» دون اعتبار لمصالح الشركاء ومنهم الشركاء الأوروبيون، الأمر الذي حذر منه وزير الدفاع الفرنسي «سيباستيان لوكورنو» (الثلاثاء 21/1/2025) في تعليقه على خطاب تنصيب ترامب الذي تحدث فيه عن رؤيته لحل الأزمة الأوكرانية حيث قال إن «خطاب ترامب إزاء أوكرانيا ركلة قوية للأوروبيين»، ودعا إلى أنه «يجب أن يحدد أخيراً إطاراً للاستقلالية الأوروبية في مجال الدفاع». أملاً أن تؤدي قساوة كلمات ترامب في النهاية إلى «صدمة وصحوة للأوروبيين».

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً