الضربة االإسرائيلية على قطر: خرق للسيادة وتحوّل خطير في قواعد الاشتباك..!

بقلم : د.عبدالرحيم جاموس

في تطور بالغ الخطورة، أقدمت إسرائيل على شن ضربة جوية استهدفت العاصمة القطرية الدوحة في التاسع من سبتمبر 2025، بدعوى ملاحقة قادة من حركة حماس كانوا يبحثون في مقترحات لهدنة وتبادل أسرى.
الهجوم، الذي أسفر عن سقوط ضحايا بينهم عناصر قطرية، مثّل سابقة غير مألوفة في سجل الصراع، إذ انتقل من مسرحه التقليدي في غزة إلى دولة خليجية ترتبط بعلاقات أمنية وسياسية واسعة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو وتركيا، فضلًا عن ارتباطها بقنوات تفاهم مع إسرائيل نفسها.
قانونيًا، شكّل الهجوم خرقًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سيادة الدول. وقد عبّر الأمين العام للأمم المتحدة عن إدانة واضحة، فيما وصفت تركيا الضربة بأنها “تبنٍ للإرهاب كسياسة دولة”، واعتبرتها بريطانيا تهديدًا للاستقرار الإقليمي. حتى الفاتيكان أبدى قلقًا بالغًا، ما يعكس حجم الصدمة من تجاوز إسرائيل حدود الأعراف الدولية.
سياسيًا، تحمل الضربة دلالات عميقة. فإسرائيل استهدفت ليس فقط كوادر حماس، بل أيضًا الدور القطري كوسيط محوري في ملفات غزة. فلطالما اضطلعت الدوحة بمهام التهدئة وتقديم المساعدات وضبط قنوات الاتصال بين الحركة والمجتمع الدولي. ضرب هذا الدور في عمقه يعني تقويض أي جهد وساطي مستقبلي، وربما إضعاف قدرة قطر على لعب دور “الموازن” بين الأطراف، وهو ما قد يفتح الباب أمام تصعيد طويل الأمد.
أما من حيث الدوافع، فيمكن قراءتها على مستويات متعددة.
أولها البعد الأمني، حيث تسعى إسرائيل إلى إضعاف مراكز قيادة حماس خارج غزة بعدما عجزت عن تحقيق حسم داخلي.
ثانيها البعد السياسي، إذ جاء الهجوم في وقت تشهد فيه المفاوضات برعاية أمريكية جمودًا واضحًا، فاختارت إسرائيل سياسة الأمر الواقع العسكري لإعادة ترتيب المشهد.
وثالثها البعد الرمزي، حيث أرادت توجيه رسالة ردع ليس فقط لحماس، بل أيضًا لقطر وتركيا، مفادها أن استضافة قيادات الحركة أو تسهيل تحركها لن يبقى بمنأى عن الرد.
المخاطر المترتبة على هذا التحول جسيمة…
أولها احتمال انهيار مسارات التهدئة كليًا، ما يزيد معاناة غزة الإنسانية.
ثانيها تهديد أمن الخليج، ولا سيما في ظل وجود قواعد عسكرية أمريكية ضخمة في قطر، مما يفتح احتمالات خطيرة لتورط أطراف دولية.
ثالثها البعد الاقتصادي، حيث تمثل قطر أحد أعمدة سوق الغاز الطبيعي المسال عالميًا، وأي اضطراب أمني فيها سينعكس مباشرة على الأسواق والطاقة الدولية.
الخلاصة، أن الضربة الإسرائيلية ضد قطر تمثل تجاوزًا للقانون الدولي وتهديدًا لمبدأ السيادة، فضلًا عن كونها تحولًا في قواعد الاشتباك ينذر بتوسيع نطاق الصراع الإقليمي.
إنها رسالة مزدوجة: لإسرائيل حدود جديدة للصراع، وللمجتمع الدولي اختبار جديد لمدى التزامه بقيم الشرعية الدولية.
غير أن الثابت أن استهداف الوساطات وتوسيع دائرة الحرب لا يقود إلى سلام، بل إلى مزيد من الانفلات والانزلاق نحو الفوضى الإقليمية.
د.عبدالرحيم جاموس