الضم والإبادة وجهان لحرب واحدة

جمال زقوت

التسجيل الصوتي لوزير المالية والوزير في وزارة الجيش سموترتش، الذي كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” كان بمثابة إعلان عن خطته للسيطرة على الضفة الغربية، وبسط السيادة القانونية عليها. جاء ذلك خلال لقاء سموترتش مع مجموعة من المستوطنين، حيث قال “إن حكومة نتنياهو منخرطة في خطة سرية لتغيير الطريقة التي تحكم بها الضفة الغربية، لتعزيز السيطرة الإسرائيلية عليها بشكل لا رجعة فيه، وبدون اتهامها بضمها رسمياً”، مضيفاً وفقا لـ”نيويورك تايمز” : “إن الهدف الأساسي لهذه الخطة هو منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية”.

التسريب إعلان رسمي بالضم

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن هذا التسريب لم يأتِ بجديد سوى رغبة سموترتش ومن خلفه نتنياهو في تحدي بعض المواقف الدولية، وتحولات الرأي العام إزاء جذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الأمر الذي يظهر أن سموترتش نفسه صاحب المصلحة الأولى في هذا التسريب، إن لم يكن هو شخصياً من قام به. علينا أن نتذكر أن برنامج الائتلاف الأساسي لحكومة ” نتنياهو – سموتريتش- بن جفير “، والذي أعلنه نتنياهو لنيل ثقة الكنيست بحكومته اشتمل بصورة واضحة على الخطوط العريضة لما بات يعرف بـ”خطة الحسم” أي ضم الضفة الغربية وتصفية القضية والحقوق الفلسطينية، كما أن ما يمكن أن يسمى بالتحايل على الوضع القانوني لمرجعية الحكم في الضفة الغربية، الذي تضمنه التسريب، كانت قد تمت المصادقة عليه رسمياً من خلال تكليف سموترتش كوزير في وزارة الجيش، وتفويضه بالمسؤولية عن ما تسمى بـ”الإدارة المدنية” .

يبدو أن سموترتش، الذي ارتفع سعره عند نتنياهو بعد خروج غانتس وحزبه من حكومة الطوارئ، وأحكم هو وبن جفير قبضتهما على رقبة ومصير نتنياهو، تَقصَّد هذا التسريب، سيما بعد أن قطع شوطاً في نقل هيكل وصلاحيات “الإدارة المدنية” من سلطة الجيش إلى سلطته المباشرة، وتوسيع بنيتها الإدارية، وأنه لا يريد لهذه المهمة أن تبقى في الظل، لأسباب مختلفه بما فيها الانتخابية، دون أن يعنى ذلك أنها تمت من خلف ظهر نتنياهو، إن لم تكن بالتنسيق المباشر معه، فهو عراب المشروع الاستيطاني لخطة الضم والحسم، ومنع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .

حرب الضم استراتيجية سبقت حرب الإبادة

في هذا السياق، يتضح تماماً أن إسرائيل، ومنذ ما قبل السابع من أكتوبر، تسير على قدم وساق بهذا المخطط، وأن ما يرتكبه جيش الاحتلال من جرائم إبادة، لم تكن مجرد حرب إنتقامية على فشلها الذريع في السابع من أكتوبر، بقدر ما هي جزء من خطة معدة مسبقاً لتقويض وتدمير القدرة الفلسطينية على مواجهة مخططات تصفية الحقوق الفلسطينية، وحسم الصراع لصالح العقيدة الصهيودينية المتطرفة التي تمثلها هذه الحكومة. وربما إن هذا التسريب، الذي يأتي في أسوأ لحظة تمر بها حكومة الاحتلال، يهدف إلى التأكيد على تصميمها في المضي بمخططها هذا كتعويض عن الفشل الذي تواجهه في حربها على القطاع.

الضم وحرب السيطرة الإقليمية

الإعلان السافر عن هذا المخطط يضع كافة الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية التي تتبنى حتى الآن ما يعرف بـ”حل الدولتين” أمام لحظة الحقيقة التي لم تعد تقبل المزيد من التضليل والمراوغة وبيع الوهم.
فالولايات المتحدة التي ظهرت كشريك في حرب الإبادة على شعبنا في قطاع غزة في سياق المخطط الإسرائيلي الأشمل، بما في ذلك عمليات القتل والاستباحة اليومية لمختلف أنحاء الضفة، دون أن تحرك ساكناً، لا يمكنها اليوم الاستمرار في تضليل العالم من خلال إعلان تمسكها بخيار الدولتين، بينما تسير “خطة الحسم” في الضفة، وهي شريكة في حرب الإبادة على غزة، ولا يهمها سوى التغطية على مسؤولية إسرائيل عنها، ومحاولة تحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن استمرارها. فهذا جوهر خطة بايدن ودبلوماسية بلينكن، لإلقاء الكرة في ملعب حماس رغم ترحيبها بقرار مجلس الأمن، بينما إسرائيل حتى اللحظة لم تعلن موافقتها الرسمية عليه، سوى عبر بلينكن وسوليڤان.

تغييب الوحدة رافعة نتنياهو للضم والإبادة

في وقت تواصل فيه القيادة المتنفذة للسلطة ومنظمة التحرير الرهان على سراب الوعود الأمريكية، دون أن تتوقف لحظة لمراجعة المسار الذي أوصلت فيه الشعب الفلسطيني وقضيته لما تواجهه من مخاطر مصيرية، بما في ذلك عجزها المطلق عن مواجهة محاولات إسرائيل هندسة النظام السياسي الفلسطيني وفق مخططاتها، إن لم يكن تسليم البعض بذلك، بما يشمل الإبقاء على حالة الانقسام، التي تعتبر الرافعة الأساسية لاستمرار حرب الإبادة، والمضي بمخططات الضم والتصفية التي يقودها نتنياهو، وإلا كيف يمكن تفسير إدارة الظهر لإرادة الإجماع الشعبي والفصائلي لتوحيد الصفوف تحت راية منظمة التحرير، والتوافق في إطارها على حكومة توافق وطني، وبما يشمل أولويات ومرجعية هذه الحكومة الانتقالية لحين إجراء الانتخابات، كخطوات ملزمة لإطلاق صافرة قطار استعادة وحدة الكيانية والنظام السياسي، كشرط ضروري ومن دونه تتحول مسألة الدولة الفلسطينية إلى مجرد شعار وهمي.

وأخيراً،
من البديهي أن موقفاً فلسطينياً جاداً لبناء الوحدة يشكل مدخلاً للمواجهة السياسية، ليس فقط لافشال مخططات الضم، بل من أجل وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الفورية لوقف الحرب، واتخاذ مواقف عملية ضد مخططات الضم. إن التردد في اتخاذ مثل هذا الموقف، وبلورة خطة عمل موحدة تستند إلى الإجماع في إطار مؤسسات الوطنية الجامعة، واستمرار الرهان على وعود، وحتى على اعترافات أوروبية أو غيرها بالدولة الفلسطينية، لن يكون سوى إبراء ذمة عن المذبحة السياسية التي تمر بها القضية الفلسطينية إلى جانب مذبحة العصر التي ترتكب ضد شعبنا في قطاع غزة. وعلينا جميعاً أن ندرك أن إفشال مخططات الضم في الضفة الغربية تبدأ بهزيمة أهداف حرب نتنياهو على القطاع لإغراق شعبنا بين الدمار وتيه التهجير، بهدف الاستفراد بالضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة لاستكمال تنفيذ مشروعه الاستيطاني التهويدي على أنقاض قضية شعبنا وحقوقه الوطنية وتضحياته الهائلة.

……..
الإعلان السافر عن هذا المخطط يضع كافة الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية التي تتبنى حتى الآن ما يعرف بـ”حل الدولتين” أمام لحظة الحقيقة التي لم تعد تقبل المزيد من التضليل والمراوغة وبيع الوهم.

شاهد أيضاً