قرأ كثيرون القصف الاسرائيلي لمواقع الجيش السوري وتدمير اسلحته الستراتيجية، بانه يأتي في سياق تقويض قدرات سوريا العسكرية، ولقطع الطريق على أي تهديد محتمل لإسرائيل من الجانب السوري، على الرغم من تغيّر النظام، لأن اتفاقا للسلام بين سوريا واسرائيل لم يحصل حتى الآن .. وهذه القراءة صحيحة لكنها غير كافية لقراءة الهدف الابعد لهذا القصف الذي طال القوات البرية والجوية والبحرية وجميع المرافق ذات الطابع اللوجستي المؤثر في عمل الجيش.
نحن نرى ان الهدف من وراء هذا القصف غير المسبوق والذي لم يواجه برد فعل دولي او اميركي مناسب، يأتي في سياق الرؤية الاميركية الغربية لمستقبل سوريا السياسي والعسكري وحتى الثقافي، الذي ينبغي ان تكون عليه هذه الدولة التي ظلت لعقود طويلة قريبة من المعسكر الاشتراكي السابق ومن بعده قريبة من روسيا وعلى مختلف المستويات، وان العقيدة العسكرية السورية، كانت على الدوام عقيدة روسية، وان هذا الواقع يجب ان ينتهي ويستبدل بعقيدة اخرى تتلاءم مع الوضع الجديد الذي ستصبح عليه سوريا، او ما يرسم لها من مستقبل، وان من الضروري هنا ان يكون الجيش السوري الذي سيعاد تشكيله من جديد بعقيدة عسكرية جديدة تختلف تماما عن العقيدة السابقة وبسلاح مختلف تماما، وان وجود الاسلحة الروسية الستراتيجة والكثيرة ستحول دون الحاجة لأسلحة اخرى ما يعني ابقاء العقيدة العسكرية على حالها وهو مايجب ان لايستمر.
لقد تنبهت بعض الدول الى خطورة ان تعتمد دولة ما على جهة واحدة في تسليح جيشها، لان مهما كانت العلاقات قوية بين البلد المستورد للسلاح والبلد المورد او المصنّع له، فان امكانية تعرض هذه العلاقة الى التصدع او القطيعة، او حصول تغيير في نظام البلد المستورد، يبقى واردا في عالم السياسة، ما يعني ان الجيش في البلد المستورد سيكون معطلا اذا ما انقطعت عنه امدادات السلاح، لاسيما في ظروف الحرب او الاضطرابات، وهذا حصل لأكثر من بلد وبات عبرة لغيره.
الشيء الذي يخشاه المراقبون بعد تدمير قدرات الجيش السوري، هو ان هذا قد يشجع الجماعات المتطرفة على التمرد على قرارات الدولة اذا ما تعارضت مع توجهاتها مستقبلا، اذ ستتحرك وهي ضامنة لعدم قدرة المؤسسة العسكرية على مواجهتها، الأمر الذي سيجعل مستقبل العملية السياسية في سوريا محفوفا بالمخاطر، ويبقى صانع القرار في دمشق مستجيرا بالقوات الاجنبية وفي مقدمتها الاميركية لحماية امن البلاد، ما يعني ابقاء قرارها السياسي رهينة هذه الواقع الذي يراد له ان يكون كذلك ولو الى حين!
جدير بالذكر ايضا، ان الجماعات المسلحة التي اسقطت النظام ليس جميعها على قلب واحد، وايضا لكل منها داعمها الخارجي الذي يسعى الى مصالحه في سوريا، وان تعارض مصالح هذه الجماعات بغياب الرادع الرسمي المتمثل بالجيش القوي، يجعل خطورة الموقف قائمة والى اجل غير معلوم، ويبقى البلد رهينة توافقات البلدان الداعمة وهو ما يخشاه السوريون ومن حولهم، لان أمن دول المنطقة مترابط وبات حساسا اكثر من اللازم بعد التغيير المفاجئ في سوريا وتداعياته المفتوحة على احتمالات كثيرة، نأمل ان تكون محدودة، ويعود هذا البلد العزيز على قلوبنا جميعا الى وضعه الطبيعي ويسوده الأمن والاستقرار.
جريدة الصباح …