السياسي – قالت صحيفة الغارديان إنه على الرغم من تهميش أوروبا من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وانشغالها بأوكرانيا، وتضررها من موقفها غير الأخلاقي تجاه غزة، لا يزال بإمكانها المساهمة في استقرار جيرانها في شرق المتوسط.
وذكرت أنه بعد مرور عام على الإطاحة ببشار الأسد، ألقى الرئيس السوري أحمد الشرع، كلمة أمام منتدى الدوحة مطلع هذا الشهر، متجنبا الأسئلة المتعلقة بماضيه المثير للجدل، وموضحا مسيرة بلاده المعقدة نحو نظام تشاركي قائم على القانون.
مشيرة إلى أنه وأثناء استماعها، لفت انتباهها أنه على الرغم من تضرر دور أوروبا في الشرق الأوسط بشدة جراء موقفها غير الأخلاقي من حرب غزة واستبعادها الذاتي من الدبلوماسية النووية الإيرانية، لا يزال للأوروبيين دور يؤدونه فيما يتعلق بجيرانهم في شرق المتوسط.
وأكدت أن العالم الأوروبي انقلب رأسا على عقب بسبب تحالف واشنطن مع موسكو في حرب أوكرانيا والصدع عبر الأطلسي، حيث تعاملت إدارة ترامب مع أوروبا كخصم. ومن أبعاد هذا الاضطراب أيضا تراجع دور أوروبا في الشرق الأوسط. ولن يتمكن الأوروبيون من استعادة دورهم البنّاء والمستقل في المنطقة إلا إذا تقبلوا أن الماضي قد ولّى.
فبعد أزمة السويس عام 1956، التي مثّلت نهاية الهيمنة الاستعمارية الأوروبية في الشرق الأوسط، استسلم الأوروبيون لدور ثانوي للولايات المتحدة. ومع ذلك، كانت واشنطن هي صاحبة القرار، ولم تكن الحكومات الأوروبية والرأي العام متفقين دائما، لا سيما خلال حرب العراق عام 2003. ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة تدعو أوروبا عادة لدعم مبادراتها، وفي نهاية المطاف، كانت أوروبا تستجيب.
لقد جعل العقد الاجتماعي الذي يقوم عليه التعاون عبر الأطلسي، والذي وفر لأوروبا الحماية الأمنية الأمريكية، هذه الصفقة مجدية. هذا لا يعني أن الحكومات الأوروبية كانت عاجزة عن التأثير في الشرق الأوسط. لعبت أوروبا أدوارا محورية خلال عملية أوسلو ، حيث دعمت منظمة التحرير الفلسطينية في بداياتها كدولة ناشئة.
ولم يعد هذا الإطار قائما. فقد انسحبت أوروبا من الشرق الأوسط، غارقة في حرب على أرضها. لم يستحوذ الصراع الأوكراني على معظم موارد السياسة الخارجية الأوروبية فحسب، بل شوّه أيضا منظورها السياسي تجاه الشرق الأوسط. تطلّب تأمين الدعم الأمريكي بشأن أوكرانيا، لا سيما في عهد دونالد ترامب، قبولا غير نقدي لسياسات واشنطن الإقليمية، بما في ذلك قصف إيران غير القانوني.
إيران، التي طالما نُظر إليها على أنها مشكلة بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان وقواتها بالوكالة وبرنامجها النووي، أصبحت فجأة خصما في نظر الأوروبيين بسبب تحالفها الاستراتيجي مع روسيا.
من جانبها، لم تعد الولايات المتحدة تنظر إلى أوروبا كشريكها الرئيسي في الشرق الأوسط. فمع صعود فاعلين إقليميين، ولا سيما دول الخليج وتركيا، باتت واشنطن تتعامل مباشرة مع الرياض والدوحة وأبو ظبي وأنقرة. وكان تهميش أوروبا واضحا بالفعل خلال إدارة جو بايدن، ويعود ذلك في معظمه إلى تهميشها الذاتي. وفي عهد ترامب، أصبح هذا الاستبعاد أمرا لا مفر منه، إذ تسعى إدارته إلى دفع أوروبا إلى مزيد من التهميش.
لا يطالب الفاعلون الإقليميون بعودة أوروبا. والأهم من ذلك، أن رفضها العنيد وغير الأخلاقي استخدام نفوذها لإنهاء الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة قد حطم ما تبقى لها من مصداقية ضئيلة.
عندما صرّح المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، صراحة بأن إسرائيل تقوم بـ”العمل القذر” نيابة عن أوروبا في مهاجمة إيران، سقط القناع. لم تعد أوروبا تُتهم بازدواجية المعايير؛ باستثناءات قليلة – مثل إسبانيا والنرويج وأيرلندا وفرنسا أحيانا – بات يُنظر إليها على أنها بلا معايير على الإطلاق. لم يكن هناك نفوذ ولا مبدأ: لقد مُحيت أوروبا ببساطة من الخريطة.
وقالت الصحيفة: “اليوم، لا ينبع أي أمل في وقف دائم لإطلاق النار في غزة، أو حتى إحراز تقدم نحو دولة فلسطينية، من الجهود الأوروبية. يواصل القادة الأوروبيون الاختباء وراء خطة ترامب للسلام، متجنبين أي نفوذ قد يمارسونه على إسرائيل”.
الأمل المحدود المتبقي يأتي من وساطة قطر، مع لعب تركيا والسعودية ومصر أدوارا حاسمة. وبالمثل، إذا استؤنفت الدبلوماسية الأمريكية الإيرانية في المستقبل، فلن تقود الحكومات الأوروبية هذه العملية. فقد قوّضت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) موقفها بتفعيلها آلية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، مما أنهى فعليا الاتفاق النووي، خطة العمل الشاملة المشتركة، التي ساهمت في التوصل إليها.
ويعتمد أي تقدم الآن على تقارب وجهات النظر بين دول الخليج وإيران، ولا سيما الدور المحتمل للسعودية في تيسير المحادثات بين واشنطن وطهران. باختصار، فيما يتعلق بأكثر قضايا الشرق الأوسط إلحاحا ولا تستطيع الحكومات الأوروبية، في أحسن الأحوال، سوى دعم جهود دول الخليج للتأثير على ترامب. هذا الدعم مهم، خاصة في غزة، حيث قد ينهار وقف إطلاق النار الهش إذا تعثرت خطة ترامب. لكن دور أوروبا في المنطقة تراجع إلى مرتبة ثانوية.








