السياسي – نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرًا أعده المحرر الدبلوماسي باتريك وينتور، قال فيه إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجعلها قادرة على تطوير حقول الغاز في مياه غزة، بشكل يجعلها تدفعها للاعتماد على الذات لا المساعدات.
ونقلت الصحيفة عن أحد الخبراء الذين عملوا على مشروع تطوير حقل غاز غزة المتوقف قوله إن الاعتراف بفلسطين كدولة سيثبت بما لا يدع مجالًا للشك أحقية السلطة الفلسطينية في تطوير موارد الغاز الطبيعي في حقل غزة البحري. وقد أشار مايكل بارون، مؤلف كتاب جديد عن احتياطيات الغاز غير المستغلة في فلسطين، إلى أن الحقل قد يدرّ إيرادات بقيمة 4 مليارات دولار (3 مليارات جنيه إسترليني) بالأسعار الحالية، ومن المنطقي أن تحصل السلطة الفلسطينية على 100 مليون دولار سنويًا على مدى 15 عامًا.
وأضاف أن العائدات “لن تحول الفلسطينيين إلى قطريين أو سنغافوريين جدد، بل ستكون إيراداتهم الخاصة، لا المساعدات، التي يعتمد عليها الاقتصاد الفلسطيني”.
وأشارت الصحيفة إلى أن خطط تطوير الحقل تعود إلى 30 عامًا، حيث أعاقت الخلافات القانونية حول الملكية عمليات الاستكشاف.
وقد أرسل مكتب محاماة يمثل منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية رسالة تحذير إلى شركة إيني الإيطالية، مفادها أنه لا ينبغي لها استغلال حقول الغاز في منطقة تعرف بالمنطقة “جي”، حيث منحت ستة تراخيص من قبل وزارة الطاقة الإسرائيلية. وفي رسالتهم، يزعم المحامون أن حوالي 62% من المنطقة تقع في مناطق بحرية تطالب بها فلسطين، وبالتالي، “لا يمكن لإسرائيل أن تمنحكم أي حقوق استكشاف بشكل قانوني، ولا يمكن أن تكونوا قد حصلتم على أي من هذه الحقوق بشكل قانوني”.
وكانت فلسطين قد حددت منطقتها الاقتصادية الخاصة عندما انضمت إلى معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار عام 2015. وحددت مطالبتها المفصلة عام 2019. وإسرائيل ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
وقال بارون إن الاعتراف بفلسطين، وبخاصة من الدول التي لديها شركات نفط كبيرة مسجلة ضمن ولايتها القضائية، سينهي فعليًا الغموض القانوني ويوفر للسلطة الفلسطينية ليس فقط مصدر دخل جديد وآمن، بل أيضًا إمدادات منتظمة من الطاقة بشكل مستقل عن إسرائيل.
ومنذ الرسالة القانونية، أبلغت شركة إيني جماعات الضغط في إيطاليا أن “التراخيص لم تصدر بعد، ولا توجد أي أنشطة استكشافية جارية”. وتزعم منظمة “غلوبال ويتنس” أن خط أنابيب غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، الموازي لساحل غزة، غير قانوني لأنه يمر عبر المياه الفلسطينية، ولا يدر أي إيرادات للسلطة الفلسطينية. وينقل خط الأنابيب، الذي يبلغ طوله 90 كيلومترًا (56 ميلًا)، الغاز من عسقلان في إسرائيل إلى العريش في مصر، حيث يعالج بعد ذلك ليصبح غازًا طبيعيًا مسالًا صالحًا للتصدير، بما في ذلك إلى أوروبا.
وقال بارون: “إن اتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993 تمنح السلطة الوطنية الفلسطينية بوضوح حق السيطرة على المياه الإقليمية وباطن الأرض وسلطة التشريع بشأن التنقيب عن النفط والغاز ومنح التراخيص اللازمة لذلك”. وأضاف: “كانت السيطرة على الموارد الطبيعية عنصرًا مهمًا في أجندة بناء الدولة للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وكان الاستغلال الإسرائيلي للموارد الفلسطينية، ولا يزال، جزءًا أساسيًا من الصراع”.
وتم اكتشاف الغاز في حقل غزة البحري عام 2000 في مشروع مشترك مملوك لمجموعة بي جي للغاز، وهي شركة عملاقة مخصخصة تابعة لشركة بريتش غاز وشركة اتحاد المقاولين الفلسطينيين. وكانت الخطة أن يستخدم الغاز محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة لإنهاء نقص الطاقة المزمن في القطاع.
ويناقش بارون في كتابه “قصة غزة البحرية” أن مصير المشروع يمثل نموذجًا مصغرًا عن كيفية عمل إسرائيل على زيادة اعتماد الفلسطينيين عليها، وفي الوقت نفسه، محاولتها فصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين. وقد واجه المشروع تحديات بسبب قضايا الجدوى التجارية وحكم محكمة إسرائيلية بأن المياه “منطقة محرمة”، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن السلطة الفلسطينية لم تكن كيانًا سياديًا يتمتع بصلاحيات لا لبس فيها لمنح التراخيص.
كما لم تحسم المحكمة ما إذا كانت الحقوق في المياه الإقليمية الفلسطينية المنصوص عليها بوضوح في اتفاقيات أوسلو تشمل “منطقة اقتصادية خالصة” فلسطينية، وهي منطقة تمتد عادة على مساحة 200 ميل قبالة الساحل. وكان القصد من الاتفاقيات أن تكون ترتيبًا مؤقتًا فقط قبل قيام الدولة الكاملة، وبالتالي لم تُحدد الحدود البحرية الكاملة. وعادة ما تُحدد المياه الإقليمية بأنها على بعد 12 أو 20 ميلًا فقط من الساحل، ودائمًا ما جادلت إسرائيل بأن أي ترخيص لمشروع غزة البحري على بعد 20 ميلًا من ساحل غزة يجب أن يُنظر إليه على أنه هبة من إسرائيل للسلطة الفلسطينية، وليس حقًا.
وبعد سيطرة “حماس” على قطاع غزة، عام 2007، لم ترغب إسرائيل في أن تقع الإيرادات في أيديها، فعرقلت التطوير، ما دفع مجموعة “بي جي” إلى تعليق المشروع ثم الانسحاب منه في النهاية.
في حزيران/يونيو 2023، وافقت إسرائيل على خطط لشركة إيغاز المصرية لتطوير الحقل، لتبدأ الحرب في غزة.
وتُقدَّر كمية الغاز الطبيعي في حقل غزة البحري بنحو 30 مليار متر مكعب، وهو جزء ضئيل من 1,000 مليار متر مكعب موجودة في المياه الإقليمية الإسرائيلية. وجادل بارون بأن إسرائيل تمتلك إمداداتها الخاصة من الغاز، وطالما تم الاعتراف بدولة فلسطينية ذات حكم موحد، فلن يكون لإسرائيل أي دافع أو حق قانوني لمنع فلسطين من استغلال أعظم مواردها الطبيعية.
وبرز الجدل الدائر حول استثمارات القطاع الخاص في الاحتلال الإسرائيلي بالمناطق الفلسطينية، مع صدور تقرير الأسبوع الماضي من المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، حذّر الشركات من دعم ما اعتبرته محكمة العدل الدولية احتلالًا غير قانوني.
وتقول ألبانيز إن قرارات محكمة العدل الدولية تحمل الشركات مسؤولية أولية “بعدم الانخراط و/أو الانسحاب كليًا، ودون قيد أو شرط، من أي تعاملات مرتبطة بإسرائيل، وضمان أن يمكن أي تعامل مع الفلسطينيين من تقرير مصيرهم”، وقد رفضت إسرائيل هذا الادعاء رفضًا قاطعًا.