الغارديان: لا يمكن بناء ريفييرا على عظام الشهداء

السياسي – تتصاعد التحذيرات من خطة جاريد كوشنر وتوني بلير بشأن غزة، التي وصفت بأنها مشروع استعماري جديد يفتقر إلى الشرعية الشعبية، ويعيد إنتاج أخطاء الماضي في العراق وفلسطين.

ونشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لجوش بول، الذي كان مستشارا للأمن القومي في سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق، ومستشارا في قطاع الأمن لدى منسق الأمن الأمريكي لإسرائيل والأراضي الفلسطينية، ويقود الآن مجموعة المناصرة غير الربحية “سياسة جديدة” ومقرها واشنطن العاصمة.

وقال في مقالته إن خطة كوشنر- بلير لغزة هي مذبحة أخلاقية وكارثة في مجال السياسة، وأضاف أن مغامرة جاريد كوشنر وطوني بلير الاستعمارية الجديدة ستكون زراعة غريبة سيرفضها الجسد.

وقال بول: ” في يومي الأول في بغداد، وبعد أن هدأت نيران قذائف الهاون، توجهت إلى مكتبي في القصر الجمهوري وبدأت أول مهمة أُوكلت إلي: كتابة سياسة جديدة للشرطة العراقية”.

وأضاف خلال المقال أنه لم يكن يعرف الكثير عن الشرطة ولا عن العراق لكنه، كان جزءا من سلطة التحالف المؤقتة – الحكومة الأمريكية التي فرضت بعد الحرب و”قيل لي إن هذه السياسة هي ما يحتاجه العراق”.
وتابع بول أنه “بعد خمس سنوات، وجدت نفسي جالسا في جناح فندقي الفاخر بالقدس، بينما كان طوني بلير، أحد مهندسي حرب العراق، وهو الآن المبعوث الخاص للجنة الرباعية لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، يشيد بالنمو الاقتصادي الذي تشهده مدينة جنين الفلسطينية، وبعد أن أمضيت وقتا طويلا في اليوم السابق في التفاوض على نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية العديدة التي تفصل شوارع جنين المغبرة عن فندق “جيرمان كولوني” ذي الخمس نجوم حيث كنا نلتقي، لم أستطع التوفيق بين انطباع بلير وما شاهدته”.

وأردف بول قائلا “ومع ذلك، ها نحن ذا مرة أخرى، في عام 2025 نتحدث عن حكومة احتلالية غربية مفروضة على منطقة من الشرق الأوسط، بقيادة بلير، وبنفس الرؤى القديمة للازدهار الاقتصادي المنفصلة عن الواقع أو حقوق الشعب.  ولن ينجح هذا، ولا ينبغي الوثوق به”.

وأضاف أن الأهم من ذلك، هناك مسألة الشرعية والملكية المحلية، فتقرير المصير ليس مجرد حق بموجب ميثاق الأمم المتحدة، بل هو رغبة أساسية لجميع الشعوب في تشكيل شؤونها الخاصة، وبناء مجتمعاتها.

وأشار إلى أن فرض الحكم من الخارج، وهو مشروع استعماري ذو تاريخ طويل قائم على استغلال الثروة من خلال قمع الحرية، ليس ببساطة مسارا مستداما نحو سياسة مستقرة، لأنه بطبيعته يفتقر إلى الدعم الشعبي أو التأييد، وغير قادر على فهم دقيق وعميق بما فيه الكفاية للثقافة والديناميكيات المحلية.

وقال إن حكومة بقيادة بلير في غزة ستكون، مثل الحكومة الأمريكية في العراق، بمثابة عملية زراعة غير ناجحة وسوف يرفضها الجسم، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من العنف والتصعيد يمكن تجنبها تماما وهي ليست في مصلحة أحد.
وأضاف أن لا أحد يهتم، فجاريد كوشنر، شريك بلير في هذا المشروع، هو، مثل كبير المفاوضين الأمريكيين، ستيفن ويتكوف، بل ودونالد ترامب نفسه، مطور عقاري في جوهره.

وتابع أن في غزة، لا يرى كوشنر ثقافة مزدهرة ونابضة بالحياة يتزامن تاريخها مع صعود الأهرامات. بل يرى فقط ما تصنعه إسرائيل بأسلحة أمريكية: خراب وتسوية بالأرض على قطعة ساحلية مميزة، موقف سيارات على شاطئ البحر جاهز لإعادة التطوير. وفي هذا الخيال الاقتصادي، يعد سكان غزة وسياساتها مجرد إلهاء عن فرصة الربح.

وأشار إلى أن مواجهة الدمار الذي نراه الآن، لا تبدو مثل هذه الرؤى غير جذابة. لماذا نتحدث عن غزة التي أُعيد بناؤها من أجل الفلسطينيين وبواسطتهم، بينما يمكن لريفييرا متألقة أن توفر لنفس الناس نصيبا من الرخاء الذي نشأ من المدن غير المتصورة التي تجسدت بين عشية وضحاها على شواطئ الشرق الأوسط؟ يحظى هذا المقترح بدفعة عملية بفضل إصرار إسرائيل على رفضها قيام دولة فلسطينية أو سيطرة فلسطينية على غزة، وإدراكها من التجارب الأخيرة أن أي شيء لا ترغب إسرائيل في حدوثه في غزة المحاصرة، أي مواد بناء أو إعادة إعمار، لا يمكن أن يحدث.

أضاف أنه لا يحتاج العالم المضي قدما مع مشروع استعماري جديد مغلف بكل هذه الهالة والأضواء البراقة. فالخطة العربية التي تقودها مصر لغزة تطرح بديلا واضحا: حكومة فلسطينية مؤقتة تكنوقراطية تفضي إلى إعادة حكومة فلسطينية منتخبة ديمقراطيا، وإعادة إعمار غزة يصممها ويقودها وينفذها الشعب الفلسطيني.

وأختتم قائلا: “ومع ذلك فهذا النهج لن يزيد من أرباح الاستثمار في غزة، وسيحرم بلير الانتقال من مجرد مستشار سياسة إلى حاكم على القطاع. إلا أن التاريخ، بل والتاريخ الحديث جدا بظهر أن اقتراح كوشنر-بلير ليس فظاعة أخلاقية فحسب، بل فظاعة سياسة أيضا. لا يزال آلاف الفلسطينيين مدفونين تحت أنقاض غزة، ومع ذلك يتوق آلاف آخرون لإعادة إعمارها. لا يمكن بناء ريفييرا على عظام الشهداء، ولا يمكن بناء احتلال فوق تطلعات الأحياء.