يُفترض اننا حين نفشل، يجب أن نضع الأمور على الطاولة ونقول ذلك بوضوح ، ربما هناك متعاطفين يقولون كانت عملية السابع من اكتوبر صحيحة، لكن ! النتيجة لم تكن كما أردنا ، النتيجة كانت كارثية علينا وعلى المنطقة كلها ، والسبب ليس الفشل العسكرى وانما الاستفراد بالقرار الفلسطيني ومحاولة تفكيك العلاقة بالاقليم وفرض رؤية غير مرغوبة لدول المنطقة التى تغيرت اولوياتها منذ زمن بعيد ومن المنطق كان لا يجب ان نتفاجيء من ادارة الظهر لنا او ما يُسميه البعض ( خذلان ) .
لقد اعتنق الكثير من زعماء المنطقة مبدأ ( التعري من القيم اسهل من ارتدائها ) وهذا كان قبل السابع من اكتوبر بكثير وكان يجب أن يؤخذ في الحسبان ، وكان على الفلسطيني المنشطر الي ارباع واثلاث وانصاف ان يُدرك مبكراً ( انه عند الطرف العربي الاخر ايضا طرف اخر ) ، وكان على كل التنظيمات الفلسطينية ان تفهم انها عندما ساومت في سوق الفضيلة ( اولويات فلسطين ) كانت قد ابتاعت مقدماً بعضاً من الرذيلة .
رغم ان الحياة علمتنا دروس كثيرة الا اننا لم نفهم .. لم نقرأ .. لم ندرس الخارطة الجغروسياسية للمنطقة ، وان بعضنا قد خدعته الشعارات الرنانة على حساب الواقع ، وان العجالة تملكت البعض للانتقال بالصراع من بقاء على الارض الي ( النصر او الفناء ) وها هي النتيجة واضحة فناء وضياع وانحلال مجتمعي اعان الله فقط منّ سيكون من نصيبه اعادة لصقه وتجميعه ومهما كان نوع الغراء سيلصق من جهة وتنفرط من جهة أُخرى .
وكما تعودت في مقالاتي ان احاول بصورة بسيطة نقل القاريء للترابط الاقليمي والدولي الذي ساعدت المراهقة الفلسطينية في جعله لصالح اسرائيل دون ادراك ، لذا سوف اتناول في هذا المقال ما ينتظر لبنان من خطط امريكية وصهيونية ليس بالضرورة ان تنفذ ، ولكن سواء تمت او لا فان الثمن في المحاولة لصدها مرتفع وفرص وقفها منخفض ، خصوصا مع خروج الخليج العربي كلياً من المتضامن على حساب مصالحه ، الي الانتقال الي المعسكر الاخر وقوة المال اسوأ من قوة السلاح .
ولان الاسد لا يترك فريسته الكبرى من اجل سنجاب فان كل ما حدث في المنطقة هو مجرد استطلاع من اجل الحسم ودعونا نتناول اليوم ما ينتظر لبنان .
1/ اعطى ترامب لتركيا خيارين اما دولة مهملة تحت العقوبات ، او دولة غنية تحظى باتفاق ثلاثي مع ( ارمينيا واذربيجان ) يسمح لها بأن تكون بوابة الهند ( خامس اقتصاد عالمي وسيكون الثالث خلال خمس سنوات ) الي الغرب ، وذلك من خلال الاتفاق الذي يسمح لها بالسيطرة على ( ممر زانججور ) الذي يتجسد من خلاله التواصل من الهند لتركيا ، وايضا التواصل الجغرافي بين ايران وروسيا وهو الشيء الذي يعطي قيمة استراتيجية لايران عند الصين ، وبالتالي تخسر روسيا سيطرتها الكلية على القوقاز في مقابل مهلة زمنية تسيطر خلالها على ما تستطيع من اوكرانيا ، وتتقطع السبل في طريق الحرير الصيني الذي يحاصر في اسيا وافريقيا وكل ممر جديد حتى في محاولات فتح طريق في القطب الشمالي ولن تواجه الصين رسوم ترامب بل رسوم الممرات التى تتبع امريكا في محاولات دفعها للافلاس التجاري واخراجها من سوق المنافسة الذي سيرفع ثمن بضاعتها اضعاف .
2/ الهدية لتركيا وغض الطرف عن القضاء على المعارضة لاوردغان ليست مجانية وثمنها قاسي ، فبعد ان انتقلت السيطرة من السعودية اليى تركيا ، على القوة السنية ( الشرع ) التى تشكل منافس عدواني وميداني ( لحزب الله ) فالمطلوب منها او بالاحرى بدأت تتفاعل بايجابية مع خطة لترامب تتمثل بالتالي :
– يعلن الشرع ان ( مزارع شبعا ) سورية بالكامل ، وهنا سحب الحجة لسلاح الحزب وتمهيد لاتفاق شامل تستعيد فيه سوريا ( ثلث الجولان ) وتتنازل عن مزارع شبعا لاسرائيل ، ويسمح لها بضم طرابلس والمنطقة السنية في شمال لبنان الي سوريا بالمقابل ( بالقوة او السلم ) ، القوة هنا تعني استنزاف القوتين لبعضهما وخصوصا مع انقطاع الخط الجغرافي بين ايران والحزب الذي سيجد نفسه في مواجهة حقيقة نقص الذخيرة والمحاربة تحت حصار شامل ستنضم اليه قوى لبنانية تدربت جيداً خارج لبنان وتملك خطط وخط دعم اسرائيلي ، و( نيس ) في فرنسا مكان سيء يتم فيه تنسيق كل شيء لطبخة قذرة جداً .
ولو كنت مكان الميلشيات في العراق لتوقعت ضربة قوية وقاسية وقريبة جداً وبتنسيق كامل مع مكونات حكومية في بغداد ومكون شيعي مهم يتبع السعودية ويدير ظهره لايران التى لم تنتهي الجولة معها ، ويتم ترتيب الجولة الثانية لها ان لم تخضع لترامب ، وما يرتب للحوثي سيكون قاسي جداً وخصوصا بعد اكتمال بناء مدرجات الاقلاع الثلاث في جزيرة سومطرة التى ستنطلق منها مئات الطائرات لتضرب وتدمر بلا رحمة في اليمن .
ومع هذا الواقع المتسارع في وسط فقداننا كفلسطينيين للتوازن يبدو اننا لن ننال جزء من امننا وليس حريتنا الا بعد ان نسجن طموحاتنا الوطنية ورغباتنا خلف القضبان .
الغياب عن المشهد في الظروف المعقدة يجرح لكن الوجود المزيف يذبح !
