في مؤتمر تم عقده مؤخرًا في مدينة رام الله بعنوان: فلسطين تفكر-قراءات في تحولات العقل الفلسطيني، تم الحوار الجميل حول مواضيع عدة ذا صلة بالسياسة والتفكير والتعليم والاقتصاد والثقافة والاعلام والوضع السياسي الراهن.
وما أثارني وَحَداني للكتابة كان هو حجم الحضور الشبابي الذي يُحسب للمنظمين من جهة، وأن يكون الفكر أساسًا لمؤتمر كما الحال فيما فعلناه من سنوات نحن في أكاديمية فتح الفكرية حين كنّا المبادرين الأوائل في فلسطين لعقد مؤتمر بصبغة الفكر والتفكير.
وهو المؤتمر الذي عقدناه في جامعة الاستقلال في أريحا تحت عنوان: حركة فتح-الفكر السياسي والاجتماعي. وقدم فيه حينها في 18 ديسمبر 2021 عديد الأوراق الهامة وبمتحدثين مفكرين ومثقفين وقياديين سياسيين معتبرين ما فتحنا به الباب نحو التفكير داخل حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح وفي الإطار الوطني الفلسطيني عامة.
أما في مؤتمر مركز مسارات بشهر 8 للعام 2024م، وفي خضم العدوان الفاشي على غزة أساسًا وكل فلسطين، فلقد اتخذ من المنصة ليتعامل بالفكر مع عدة مواضيع مرتبطة فبوركت الجهود المثمرة دومًا للمركز وخاصة الأخ هاني المصري من جهة، والأخ أحمد جميل عزم وكل القائمين على العمل بالطبع.
وعليه راقني الحديث بالفكر ما هو مجال مفقود في كافة التنظيمات السياسية التي تضعف وتقلل من قيمته وبالتالي من قيمة الثقافة والتعليم والتعبئة والتدريب والتربية في مقابل حالة التحشيد السياسي الفصائلي للجماهير فارغ المحتوي العقلي بمعنى النأي بالنفس عن بذل الجهد الكافي بحق الكوادر والأعضاء وما هذه المشكلة الا مشكلة بالمنهج العقلي لدى القيادة الفلسطينية بكل مكان التي منها من يفضل الحشد على الفهم، فالاول يسير ورائي بمنطق المصلحة والثاني سيناكفني!.
عموما وبناء على المؤتمرين المذكورين راقني الحديث بالنقاط الخمسة التالية:
1-الفكر والتفكير: التفكير مسار عقلي أو خريطة أو خطة عقلية كما يقول زكي نجيب محمود وهو جهد عقلي يتعامل مع أفكار سابقة مستقرة مع الوافد عليها ما يعني حتمية الصراع بين الوافد والمستقر، فإما استيعاب وإما طرد وإما مساومات تؤدي لانتزاع الفكرة الجديدة. التفكير بأصل العقل تحقيق الربط، والربط خاصية إنسانية من حيث أنك تعقل (من ربط العقال) أي تربط بين الأشياء والامور فتتبين الماهية من الذات للشيء.
د.جودت سعادة بكتابه المعنون:تدريس مهارات التفكير يعرّف التفكير: على أنه ما يجول في الذهن من عمليات تسبق القول والفعل، بحيث تبدأ بفهم ما نحس به أو ما نتذكره أو ما نراه، ثم نعمل على تقييم ما نفهمه، محاولين حل المشكلات التي تعترضنا في حياتنا اليومية.
بجميع الأحوال فالتفكير جهد عقلي رابط، كما هو الحال مع الجهد العضلي الذي يحتاج للتدريب اليومي، وهو إذ يعتبر جهدًا عقليًا فهو يحتاج لأدوات كما الحال مع الادوات الرياضية، وأدواته هي القراءة العميقة والقراءة المتنوعة والقراءة الفاحصة وأدواته امتلاك منهج عقلي علمي لا عشوائي ومن أدوات العقل ضرورة تعلم واكتساب المهارات اللينة الكثيرة من التخطيط وحل المشكلات والفهم المرتبط بالفحص والبحث والقدرة على الفرز. فما الخيالات ولا الخواطر بفكر وإنما الفكر جهد عقلي كما أكرر يعني ويقصد الخروج بنتيجة.
إن التفكير الذي بالجهد وإيجاد العلاقات أو الروابط ما بين القائم والقادم ينتج فكرًا منطقيا أوجديدا (ابداعيا) يحتاج لانتشاره أو تقبله الى بوتقة أوعاء حامل، والأوعية قد تكون عديدة وكلما اتسعت كلما أمكن تعميمه أكثر وما أفضل حاليًا من أوعية التربية والتعليم والدعوة المعروفة لتعميم الفكر والثقافة…الخ.
وفي التنظيمات السياسية لا أجد أجدى من الاجتماعات الدورية وما يتصل بها لحكّ العقل ودعم منطق التفكيرالمرتبط بالعمل حُكمًا، فليست التنظيمات السياسية خاصة الثورية النضالية الفلسطينية بمحضن “التحشيش الفكري” منزوع الفعل،وإنما هي حاضنة لكليهما أي للتفكير المقصود به الخروج بنتيجة وليس التلهّي (التحشيش) والعمل.
بعد الجهد والوعاء الحاضن فإن الفكر ليكون تعميمه واسعًا يحتاج لحَمَلَة الفكرة المؤثرين (الرسل، المصلحون، القادة، الإعلاميون، راسمو السياسات، الكُتّاب والمفكرون، مراكز الدراسات….)، وفي إطار داخل التنظيمات السياسية فإن الثقافة والفكرة والمفاهيم ليتم تعميمها قد تأتي في جهد مضني طويل عبر القاعدة وتأخذ جهدًا ونضالًا ووقتًا طويلًا، وقد ترتبط بقرار قيادي يجعل من الإتاحة للتفكير والحوار والرحابة والديمقراطية منطلقًا للرعاية داخل الندوات والاجتماعات الدورية والمؤتمرات.
للتذكير والتفكير أيضًا كنت قد كتبت حول التفكير الايجابي وبرمجته في سياق مادة أخرى، كما كتبت عن العقول السبعة كما أسميت أنواع التفكير والتي افترضتها، ومن المهم التنقل بينها أوفهمها على الأقل، وهي كالتالي:
1-التفكير الماضوي التاريخي
2-والتفكير العملي التنفيذي
3-والقضائي الناقد
4-والتفكير الإبداعي
5-والتفكير الفلسفي الأيدلوجي
6-والتفكير المستقبلي
و7-التفكير المنظم الإداري المتمم للأعمال.
وما زلنا في إطار الموضوع نقرا ونحاور ونغير ونتغيّر فالثبات حتى بالطبيعة غير قائم فالجبال مهما طالت الازمان تتغير كما الحال مع الصحاري والمروج فكيف لنا ألا نتغير ولا سيما إن امتلكنا وعيًا وفهمًا ومنهجًا. (يتبع)