في ظل التصريح الرسمي الإيراني حول عمل استفتاء بفلسطين بين جميع السكان الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين والدعوة للدولة الواحدة للجميع كحل (نظري)، يمكننا القول أن الموضوع ليس تنظيرًا أومناظرة فكرية وعصف ذهني، خاصة ونحن في عدوان إبادة داهم، ومقتلة، ومذابح متواصلة نحتاج في أتونها لوحدة الكلمة والالتفاف حول الموقف وحول المركز.
الموضوع لا يحتاج مزاودات على القضية، وفهمها الانقلابي في ظل توازن القوى والتحالفات والقدرة والامكانية، ولا يحق أن يكون هناك مزاودات على الوطنية الفلسطينية.
يأتي هذا الطرح (المتأخر) في هذاالوقت لدعم فئة من الفلسطينيين ضد فئة أخرى ما يرسخ الانشقاق والشقاق والانقلاب، وما هو بالحقيقة أيضًا تبرير للموقف الإيراني الرافض لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين (كما حصل بالتحفظ الإيراني الشاذ على منظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر العربي-الاسلامي عام 2023م) وهو ما كان بالأمس من الدول العربية المعادية للقضية فيما سبق من صراع دموي لانتزاع الاستقلالية الفلسطينية.
لقد مللنا التنظير منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية الحديثة عام 1965م وجرّبنا جميع المزاودات من أولئك الذين كانوا يضعون أهدافًا ليس بمقدورهم مهما فعلوا أن يحققوها، وهم (بتكبير حجرهم) ووضع أهداف أكبر مما تضعه أنت، يطبقون المثل الشعبي (حملوه عنزة ضرط قال حملوني الثانية) وبالتالي هم يصرخون عاليًا أكثر منك! ويتركوك تصارع لوحدك لتحقق ما لايمكن تنفيذه.
عدنا لفترة مزاودات النظام السوري القديم. ومزاودات تنظيمات اليسار قبل الوعي بفهم القليل الممكن، وبتراكمية النضال وصولا للكل المأمول (الواقعية السياسية).
الصهاينة لايقبلوننا كبشر أصلًا (حيث يسود لديهم منطق الخَدَم، او الساكن وليس المواطن في البلاد) فكيف لهم أن يقبلوا أن نشاركهم-لا سمح الله!- ما يفترضونه أرضهم هم، ودولتهم هم فقط!؟
لو تركنا فكرة تحرير دولة فلسطين على المتاح من الأرض، التي التف حولها العالم بعد تضحيات عربية ووطنية لا حصر لها، مطالبين بما يقول الوزير الإيراني “دولة واحدة” نكون اسقطنا بارادتنا حقنا السياسي والقانوني بالدولة المتاحة سياسيًا وقانونيًا، ونكون وقعنا في خطيئة الحقوق المدنية فقط! أي صراع دائم داخل المستوى الاول من الحاجات الانسانية لهرم ماسلو الثُماني للحاجات الانسانية.
الصهاينة يقولون جهارًا نهارًا لا أرض لكم ولا حق قومي ولا سياسي ولا سيادي ولا حق تقرير مصير ولاحقوق لغوية ولاحق مياه ولا…ولكم الفصل العنصري و”الاستعباد” والمستعمرات ستصل عمّان ولبنان ومصر وقد تخرق كل المشرق العربي.
الصهاينة بغالبهم يقولون لا مساواة ولا حرية ولا حقوق لكم، ولن تكونوا الا “سكان” درجة عاشرة (ننظر لحالة أخواننا في فلسطين 48) والمفضل طردكم حيثما تريدون.
يعني إن أسقطنا انجاز الاعتراف العالمي لنا بدولة على المتاح من أرض فلسطين سنقبض بين أيدنا الريح، أي نحن نتخلى عما أنجزنا فيه عالميًا عبر مايقرب من 60 عامًا من انطلاقة المقاومة والثورة الفلسطينية الحديثة عام 1965م، وندوسه تحت أرجلنا ونرجع للتناطح الفكري النظري!
بتحرير دولة فلسطين القائمة بحدود 1967 ولكنها محتلة (ما يسمونه حل الدولتين) وهي الدولة التي يعترف بها كل العالم. يمكن أن ننطلق لمستويات أخرى من النضال مهما كان (أي بعد تحريرها)، أكان دعوة لتآلف أو اتحاد أو دولة واحدة ضمن كل الأرض، ذات مساواة وحرية واحترام ومواطنة بلا تفرقة، ونظام ديمقراطي واحد، وبما يتوافق مع فكرة العودة.
إن الطرح المزاود الآن هو مما يضر بالهدف المنجز بتضحياتنا عالميًا، ويضر بالوحدة الوطنية حول التمثيل الواحد، ويضر بالوحدة المطلوبة ضد الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة وبالضفة، وهو الطرح الذي يتفق مع أحلام الوزيرالإرهابي “سموتريش” وأقصى اليمين الإسرائيلي الذي يريد دولته الواحدة بمقاييسه هو على كل فلسطين، ومعه كل القوة المطلوبة (إسرائيليا وأمريكيا) فلا مكان لفلسطيني ثائر قط، او مواطن متساوي قط، وإنما فقط المطلوب هو “الساكن” الخانع وبالمستوي الحيواني.
ان امتلاك الارض (مهما كان حجمها بالبداية) والسيادة عليها والاعتراف العالمي قوة عظيمة لاتُقّدر، ولن يقدرها اي شخص بعيد يفكر بمنطق القوميات في ايران (كمثال) حيث لا احتلال استخرابي احلالي ولا عقلية توراتية اقصائية عنصرية تسحب الأرض من تحت رجليك يوميًا.
كان من الممكن أن يقول وزير الخارجية الإيراني -صاحب تصريح الدولة الواحدة مؤخرا- ان الهدف هو تدمير الفكرة (أوالأيديولوجية) الصهيونية العنصرية الاقصائية ما يمثل المدخل الصحيح للدولة الديمقراطية الواحدة، بعد تحقق دولة المتاح (على حدود 1967) المعترف بها عالميا، فيصح الحوار بين دولتين مستقلتين لهما السيادة والاعتراف.
القصة ليست تنظيرًا أو تحشيشًا فكريًا. فمن منا لايريد كل فلسطين! ولكن الموضوع ليس أحلامًا وتمنيات فالحق لايؤخذ الا بمنطق القوة بجميع أشكالها. ونحن بعد خروج مصر فقدنا القوة الاصلية (العسكرية) بالمواجهة ثم ماكان من خروج أو إخراج العراق وسوريا! فكان ما كان.
نحن بين محاور الكذب أو التضليل او الانبطاح او المزاودة والتحشيش الفكري بلا قطران، نعيش في أردأ العصور لهذه الأمة حيث يتم حشر بعض اخوتنا من فصائل مختلفة في مهانة التبعية لهذا النظام أو ذاك على مظنة أن التضحية لحمايته هو المطلوب!؟ بينما التضحية لأجل فلسطين هو المطلوب، ضمن عقلية مركزية فلسطين وليس مصالح تلك الدولة أو نقيضتها بالمنطقة.