القدس والمشهد الأمني المعقًد

بقلم: عــلاء مــطر

 

وكأن صراع التاريخ الحضاري والديني في مدينة القدس قد عاد من جديد، بعد أسبوع واحد فقط من حادثة اطلاق النار عند مفترق راموت بالمدينة المقدسة، فالتوتر لا يزال يسيطر على أجواء المدينة في ظل استمرار المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو ما ألقى بظلاله على حياة المقدسيين اليومية، الذين لا حول ولا قوة لهم أمام هذا الواقع المفروض عليهم.

حادثة اطلاق النار التي أدت الى مقتل 7 إسرائيليين تسببت في تحويل الأحياء العربية في القدس الشرقية إلى مشهد أمني مشدد، حيث بات الوجود الكثيف لقوات الشرطة مشهداً مألوفاً يرافق السكان في تنقلاتهم وأعمالهم وكل تفاصيل حياتهم، والتي كان أبرزها اغلاق بعض الحواجز الرئيسية.

ولك أن تتخيل ما يمكن أن يتسبب به إغلاق حاجز شعفاط، الذي شكّل عائقاً كبيراً أمام الحركة الطبيعية للسكان، نظرا لأن التأخيرات الطويلة عند المعابر أجبرت بعض الأهالي على قضاء ساعات في الانتظار، حتى أن بعضهم اضطر للنوم على جانب الطريق بعد أن فشل في الوصول إلى منزله أو عمله في الوقت المناسب، هذه المشاهد عززت شعور الإحباط واليأس لدى السكان، الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الحاجة اليومية للتنقل وسندان الواقع الأمني الصعب.

وما بين فعل الإسرائيلي وخطاب الفلسطيني حدثت تغيرات كثيرة لم تكن في صالح المدينة وسكانها، حتى أن المؤسسات التعليمية والمدارس لم تسلم من تبعات الوضع الأمني، فقد أُغلقت العديد من المدارس في المنطقة بشكل مؤقت، في محاولة لتجنيب الطلاب المخاطر المحتملة على الطرقات أو بالقرب من الحواجز.

وكنتيجة لذلك، تم اعتماد نظام التعليم عن بُعد كخيار بديل، رغم التحديات التقنية والعملية التي يواجهها الطلاب والأهالي على حد سواء. هذا التحول المؤقت يعكس حجم القلق السائد، وحرص الأهالي على حماية أبنائهم في ظل الظروف غير المستقرة.

وكل هذا يسير تحت نظر الجميع من مجتمع دولي يصاب بسكتة الكلام حين يتعلق الأمر بإسرائيل، وأمام العرب الذين يبدون أن لا حول لهم ولا قوة فاكتفوا بالخطاب والبيان وكفى الله العرب شر القتال.

ورغم الأجواء الصعبة التي تسيطر على القدس الشرقية، يبقى الأمل راسخا لدى الأهالي بأن تعود الحياة إلى طبيعتها قريبا، فهم يتطلعون إلى استعادة إيقاع حياتهم اليومي المعتاد، مثل الذهاب إلى أعمالهم ومدارسهم، والتسوق بحرية، والتنقل دون خوف أو قلق دائم من تأخير أو مواجهة غير متوقعة.

في القدس، يعكس الواقع الحالي تعقيدات المشهد الأمني والسياسي والتاريخي، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن قدرة المجتمع المحلي على التكيّف مع الأوضاع الطارئة، مع تمسكه بأمل العودة إلى الاستقرار والطمأنينة، فهذه هي طبيعة المدينة المقدسة، مثل العنقاء تقوى على كل الظروف وتعود الى الحياة من جديد.